في مطلع القرن الرابع عشر الميلادي برزت على الساحة الدولية الإمبراطورية القيصرية الروسية في الوقت نفسه الذي برزت فيه الإمبراطورية العثمانية، ولم ينتصف القرن الرابع عشر الميلادي حتى بات العثمانيون والقياصرة يخوضان صراعًا مريرًا لصياغة تاريخ المنطقة.
في القرن الثامن عشر الميلادي خاض المسلمون جهادًا مريرًا ضد الإمبراطورية القيصرية لكنها تغلبت عليهم وشنت حملات إبادة غير مسبوقة، ثم فرضت عليهم التنصير القسري واللغة السلافية بدلًا من اللغات العربية والتركية والفارسية.
الهزيمة التي منيت بها الإمبراطورية القيصرية على يد اليابانيين مثلت ضربة قاصمة مهدت الطريق لسقوط الإمبراطورية القيصرية، وشارك المسلمون بثورة جديدة لإسقاطها، لكن الثورة الشيوعية عام 1917م قطفت كل الثمار وواصلت حملات الإبادة ضد المسلمين.
برغم مساعدة المسلمين لها احتلت الثورة البلشفية عبر الاتحاد السوفيتي ست جمهوريات إسلامية وشنت حروبًا لا هوادة فيها ضد المسلمين ودينهم.
الشيخ عبدالله نوري - رحمه الله - أحد قادة الصحوة الإسلامية في أوزبكستان: لم نيأس وواصلنا تعليم الأجيال الإسلام في المدارس السرية.
د. «دونا آرتز» أستاذة القانون بجامعة «إيمورى أتلانتا»: لقد تعرض المسلمون في روسيا دومًا لمحاولات ترويسهم ونزع هويتهم.
تعرض الشعب الشيشاني لأكثر من حملة إبادة مات خلالها نصفه، أما المقاتلون منه فقد جُمعوا في إسطبلات الخيول وسكب عليهم النفط وأُحرقوا أحياء.
الكاتب الروسي «ألكسندر سولجينتسين»: كانت هناك أمة لم تستسلم أبدًا، لم تتطبع مع الحياة العقلية للاستسلام، ولم تكن جماعة من المتمردين، بل كانت أمة بأكملها، وأنا أشير هنا إلى الشيشانيين.
قيام دولة إسلامية مستقلة في تلك المنطقة ذات الموقع الإستراتيجي والمليئة بالثروات يهدد مشاريع الغرب فيها، وإذا سُمح بقيام دولة مستقلة في الشيشان فإن مسلسل قيام الدول المستقلة في القوقاز يهدد روسيا، ويقطع الطريق على التمدد الغربي هناك، ويشكل قوة داعمة ومساندة للمسلمين في المنطقة كلها.
تدعم الصين من بعيد هذا التحالف ضد الإسلام والصحوة الإسلامية خوفًا من تلاحم الصحوة الإسلامية في دول الاتحاد السوفيتي القديم مع صحوة المسلمين في سينكيانج (تركستان الشرقية).
في عام 1991م بدأ الأمريكيون يتحدثون لأول مرة بصراحة عن أن القوقاز منطقة مصالح لهم.
فجأة وجدنا الجيش الروسي يقود حرب الإبادة ضد الشعب السوري المسلم (95% سنة) جنبًا إلي جنب مع قوات بشار الأسد والقوات الإيرانية ومليشيات حزب الله، وقد اختفت من سماء سوريا طائرات البراميل التابعة للنظام المجرم لتحل محلها الطائرات الروسية المقاتلة لتكمل دمار ما بقي من سوريا وتواصل تشريد وقتل من تبقى من شعبها بصورة يتفجر منها الحقد الأعمى. ولن ينس العالم صورة بطريرك الأرثوذكس الروسي وهو يبارك أول فوج من القوات الروسية المتوجهة إلي سوريا ليعلن للعالم أنها حرب روسية صليبية بامتياز علي شعب مسلم كل جريمته أنه قام ليطالب بحقه في الحياة.
ولم يكن الأمر غريبًا علي من تابع تاريخ روسيا منذ قرون مع الإسلام والمسلمين، فهو تاريخ غارق في دماء المسلمين، وملف متخم بالمجازر وحملات الإبادة والاستيلاء علي أراضيهم منذ القياصرة مرورًا بالشيوعية، وحتي اليوم ما زالت روسيا تشن حروبها ضد المسلمين في داخلها وعلي الأراضي التي تستولي عليها. هكذا فعلت مع مسلمي القرم ودول القوقاز وأبرزها الشيشان. ولم تتوقف في حربها علي الإسلام والمسلمين داخل حدودها بل علي حدودها القريبة في الجمهوريات الإسلامية الست بآسيا الوسطي: «أذربيجان، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان، كازاخستان، قرغيزستان» التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي، بل وعلى حدودها البعيدة في منطقتنا العربية بهدف القضاء على الصحوة الإسلامية ووقف تمددها، وهذا ما حدث في مصر عبدالناصر وسوريا حافظ الأسد عندما كانت تلك الدول ضمن المعسكر الشيوعي أيام الاتحاد السوفييتي، واليوم تواصل جريمتها ضد الشعب المسلم في سوريا.
ولم تمانع روسيا من التعاون وعقد التحالفات مع القوي الاستعمارية حديثًا وقديمًا ضد الإسلام والمسلمين، حتي ولو كان بينها وبين تلك القوي صراعات، ومثال ذلك التحالف الروسي مع الصين ضد المسلمين والصحوة الإسلامية في آسيا الوسطي.. إنه ملف أسود وغارق في دماء المسلمين.
قصة وصول الإسلام إلى روسيا
تتباين الآراء التي تحدد تاريخ وصول الإسلام لروسيا وتؤكد إحدى الروايات أن المسلمين وصلوا إلى هذه البلاد في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 22هـ/ 642م، ففتحوا أذربيجان على يد القائد سراقة بن عمرو، ووصلوا إلى مدينة «دربند» على ساحل بحر قزوين في عمق المنطقة القوقازية، ودخل في الإسلام جميع سكان بلاد «شروان» وجزء من داغستان، وتعتبر قبائل «القوموق» أول من دخل الإسلام وبذلوا الكثير لنشره.
في القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري) أصبح المسلمون أصحاب مملكة كبيرة في أواسط آسيا والقوقاز والفولجا أطلق عليها تاريخيًّا مملكة المغول أو التتار، وفي مطلع القرن الرابع عشر الميلادي برزت على الساحة الدولية، الإمبراطورية القيصرية الروسية التي انطلقت من دوقية موسكو في الوقت نفسه الذي برزت فيه الإمبراطورية العثمانية، ولم ينتصف القرن الرابع عشر الميلادي حتى بات العثمانيون والقياصرة يخوضان صراعًا مريرًا لصياغة تاريخ المنطقة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه مملكة المغول الإسلامية في الانهيار أخذت الإمبراطورية القيصرية الناشئة تملأ الفراغ الناشئ عن ذلك، لكن الإمبراطورية العثمانية التي كانت فتية في ذلك الوقت نشطت في نشر الدعوة الإسلامية في ممكلة المغول كنوع من التحصين الديني وتحفيز المسلمين فيها على الجهاد ضد الغزاة القياصرة، وبالفعل انتفض المسلمون في أكثر من ثورة ضدهم:
ففي عامي (1705-1706م) ثارت «أستراخان» ضد القيصر «بطرس الأول» الذي قمع ثورتها بشدة وارتكب مذبحة بشعة بحق المسلمين التتار.
وفي الأعوام (1705-1711م) ثار المسلمون في «بشكيريا» إلا أنه - وإن نجحت ثورتهم في بداياتها وطردت الجيش الروسي مؤقتًا - عاد الجيش القيصري (الروسي) وقمعها بشدة.
وفي الفترة (17٥٥-17٣٨م) في عهد الإمبراطورة «تسارينا آنا» دمر الروس (القياصرة) في قازان وحدها 481 مسجدًا ومركزًا دينيًّا من أصل 536 مسجدًا، وشن القياصرة حملات اضطهاد ضد المسلمين التتار في القوقاز وسيبيريا. ويشبه المؤرخون تلك الفترة بفترة التطهير العرقي والديني التي شنها «جوزيف ستالين» في العهد الشيوعي ضد المسلمين.
وقد تنوعت أساليب القهر القيصري ضد المسلمين من إبادة وقمع وتهجير، ثم فرضوا عليهم التنصير القسري. وحظر القانون القيصري اعتناق أي دين غير المسيحية الأرثوذكسية، وتم إحلال اللغة السلافية مكان اللغات العربية والتركية والفارسية التي كانت سائدة هناك في ذلك الوقت، فضلًا عن الإهمال المتعمد للمدن والحواضر الإسلامية حتي تتحول إلي خرائب.
في عهد الإمبراطورة «كاترين الثانية» شنت موسكو (الجيش الروسي القيصري) هجومًا على مناطق القوقاز والقرم بغية احتلالها واشتبكت مع العثمانيين في حروب طاحنة خلال أعوام (1768-1774م) وكان من نتائجها إرغام السلطنة العثمانية على الاعتراف باستقلال مملكة القرم المسلمة عنها.
في العام (1782م) سقطت آخر معاقل المقاومة في القوقاز، واستشهد «الخان شاهين جيراي» لينتهي آخر الخانات (المعاقل أو الإمارات) التتارية.
ثم أكمل القيصر «نيقولا الأول» الحملات العسكرية فهاجم أذربيجان وأخضع داغستان وأجزاء كبيرة من أرمينيا للحكم القيصري المباشر.
في العام ١٨٣٤م اندلعت ثورة الشيخ شامل النقشبندية - وهو من أعظم علماء المسلمين المجاهدين - بدعم سياسي وديني من العثمانيين والتفت حوله قبائل الشراكسة والشيشان، وكل علماء القوقاز والتركستان، وقاد حرب استنزاف في شعاب المنطقة ووديانها وجبالها استمرت ثلاثين عامًا ولم تنته إلا عام ١٨٥٩م حينما انفضت القبائل عن الشيخ المجاهد فوقع في الأسر ومات في السجن.
وبينما توقفت الثورة شن القياصرة حملة وحشية للقضاء على جذور المقاومة وتم التركيز علي الشيشان (موطن الشيخ شامل) حيث يتميز شعبها بقوة العزيمة والشكيمة والإصرار علي المقاومة وكثفوا حملات التنصير بل وفرضوه بالقوة على الناس في الوقت الذي جرت فيه عمليات تخريب كاملة للاقتصاد بتدمير الغابات والزراعات، وفتح القياصرة الباب لهجرة الشيشانيين من بلادهم، تخلصًا منهم فتوجهوا إلى عدد من الدول العربية.
واتجه القياصرة للتركيز في حملاتهم علي منطقة القوقاز بأكملها واستغلت خلال ذلك الصراع صلاتها العرقية (السلافية) والمذهبية (الأرثوذكسية) مع شعوب المنطقة من نفس العرق والمذهب لكسب تأييدهم خلال حروبها ضد المسلمين، وحدث تجاوب معها مما زاد من قوة شوكتها وساعدها على ترسيخ إمبراطوريتها، ومنذ ذلك العهد (القرن التاسع عشر) وهناك تحالف قوي بين القوى الكبرى للحيلولة دون عودة السيادة للمسلمين على أرضهم، وما زال هذا الإصرار ساريًا بين القوى الكبرى جميعًا حتى اليوم.
0 88: dm4588a03ktc88z05.html
إرسال تعليق