dm4588a03ktc88z05.html
المشرف على التحرير اقتصادى/ محمد ابو الفتوح نعمه الله وكيل مؤسسى حزب العداله والتنميه - قيد التأسيس ت / 01005635068 / 01119841402 / 002

Translate

اهم الموضوعات

  • https://www.facebook.com/nematallah2
  • https://twitter.com/mr_nematallah
  • {icon: "instagram", url: "#"}
  • {icon: "linkedin", url: "#"}
  • {icon: "youtube", url: "#"}
  • {icon: "vk", url: "#"}
  • {icon: "behance", url: "#"}
  • {icon: "stack-overflow", url: "#"}
  • {icon: "dribbble", url: "#"}
  • {icon: "rss", url: "#"}

شارك الصفحه مع اصدقاءك

  الفيس بوڪ  اضغط هنا
  المنتدى  اضغط هنا

منظومه مكافحه الفساد

, وتتضمن بالشرح والتحليل اهم اختلالات هيكل الاقتصاد القومى واهم اختلالات النظام المالى والمصرفى وتعرض للعديد من صور وسياسات النهب العام واهدار العداله فى مصر فى مختلف المجالات وكيفيه مواجهتها والتغلب عليها مع وضع منظومه متكامله لمكافحه الفساد وتطوير منظومه العداله فى مصر؟؟؟ ؟ ا؟

مشروعات العبور الإقتصادى لإنقاذ مصر وتحقيق طفره تنمويه هائله

. هى مجموعه من المشروعات القوميه التى تكفل توفير اكثر من 25 مليون فرصه عمل ومضاعفه الدخل القومى والثروه عده اضعاف خلال فتره لا تتعدى 5 سنوات وبدون تحميل الموازنه والموطنين بأى اعباء اضافيه،

سوزان ثابت تتهم مبارك بالخيانه العظمى لإنقاذه من الإعدام

سوزان مبارك ثابت فى فاصل جديد تتهم مبارك بالخيانه العظمى والعماله لإنقاذه من الاعدام وتهدد بنشر قائمه تتضمن 2000 من جواسيس الولايات المتحده فى مصر ممن تغلغلوا فى مواقع حيويه بعلم ومباركه المخلوع وعملوا لتنفيذ املاءتها وحمايه مصالحها على نحو غير مسبوق فى تاريخ مصر,بل ويحمل جميعهم الجنسيه الامريكيه , جدير بالذكر ان المخلوع وزوجته وابناءه يحملون الجنسيه البريطانيه بل وطالب المملكه المتحده بتسلمهم باعتبارهم ضمن رعاياها ؟!! ً،

اول براءة اختراع لمحركات ذاتية التشغيل فى مصر والعالم

اول براءة اختراع من نوعها فى العالم لمحركات تعمل ذاتيا دون الحاجه الى اى مصادر خارجيه للوقود او الكهرباء او ايا من مصادر الطاقه المتجدده, صدرت بالفعل باسم / محمد ابو الفتوح نعمة الله - مصرى الجنسيه ويعمل كخبير اقتصادى ، ً تربطه ا، ،،ة. "" ..

اول براءة اختراع من نوعها فى مصر والعالم ... اقرأ التفاصيل

اول براءة اختراع من نوعها فى مصر والعالم ...    اقرأ التفاصيل
محركات ومولدات ذاتية الحركة والتشغيل تعمل بدون وقود اوكهرباءاو اى مصادر خارجيه للطاقه اقرأ المزيد

للتواصل مع ادارة الموقع 00201550797145

يمكن التواصل مع مسئول الموقع : اقتصادى / محمد ابو الفتوح نعمة الله تليفونيا اوعبر الواتس اب 00201550797145

الخميس، 22 ديسمبر 2011

ميلشيات التبشير والتنصير والعلاقه مع الموساد والمنظمات الصهيونيه


الأحد، 25 سبتمبر 2011

الاضطهاد الدينى والاحتجاز والاخفاء القسرى والقتل مصير المتحولين للاسلام

الاضطهاد الدينى والاحتجاز والقتل للمتحولين للاسلام
هذه هى الروابط التى قام مدحت قلاده بحذفها وحظرى حينما فضحت كذبه عن الاضطهاد المزعوم 

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

المجله الاسلاميه العدد الاول



اقتصادى/ محمد ابو الفتوح نعمه الله



ملف وثئقى شامل حول نظريه دارون لمطالعه التفاصيل اضغط هنا
خلق خليه حيه معمليا ؟ هل تصدق ؟ لماذا يعجزون عن خلق خليه حيه او ذبابه او استعاده ما يسلبه الذباب ؟؟ برغم كل التقدم العلمى لمزيد من التفاصل اضغط هنا

هل الاديان حقا من صنع الانسان؟؟
لمطالعه التفاصيل اضغط هنا
حروب البترول الصليبيه
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا



اراء حول نظريه داروين

آراء حول نظرية داروين
أثارت نظرية التطور العديد من ردود الفعل الرافضة لها، فقد اعتبرها البعض بأنها مجرد نظرية وليست حقيقة مُبرهنة لا علمياً ولا مبدأ مُعتمد كبديهية مُعترف به، وأنه للآن لا يوجد دليل قاطع بأن أصل الإنسان مُنحدر من مجموعة قرود الشمبانزي سوى التشابه، وأن هناك حلقة مفقودة بين الإنسان والقرود ، خاصة وأنه لا يوجد لدى علم الحفريات مُتحجرات تقول ماذا وكيف حدث هذا التطور ..؟
إن من بين النقاط السلبية الهامة فى نظريته أن داروين لم يُوضح كيف أن الخلية الأولى اختلفت مع الخلية التي تشابهها .. ؟ وكيف تتطورت إلى أن تصبح كائن آخر سوى طرح العوامل الأربعة كسبب لولادتها عن طريق الصدفة، ولا يُمكن أن يتولد من خلية واحدة - تولدت بالصدفة - هذا النظام المُعقد الموجود في الكون.
ومن المُلاحظ أيضاً أن هناك اعتراف صريح من قبل صاحب النظرية بأن هناك "حلقة مفقودة" إذن أصبحت النظرية غير كاملة، وبالتالى لا تعتمد كنظرية وأن كل ما حدث هو مجرد اجتهادات علمية من قبل داروين، ومع كل هذا ومالا يُمكن إنكاره بأن داروين قد أفاد فى فروع علمية عديدة.
وأنه من المُلاحظ أيضاً تركيز داروين على الانتقاء الطبيعي، ولكن هذا الانتقاء لا يؤدي إلى ظهور صفات جديدة، ولكن يعمل على المُحافظة على الأنواع ذات الصفات المرغوبة، إذاً كيف تطورت الكائنات حسب هذا المبدأ، فالانتقاء لا يؤدي إلا إلى تغير طفيف وليس التطورالكبير الذي نتكلم عنه، وربما كان اعتماد داروين على الانتقاء لأنه لم يكن يعلم بقوانين الوراثة وحدوث الطفرات وهي إحدى الانتقادات التي وجهت إلى نظريته.
أما بالنسبة لنظرية "تطور الأحياء" فإن الطفرات لا يُمكن أن تؤدي إلى تطور كبير أيضاً فهي لا يُمكنها أن تغير مُعظم الشفرات في حمض الـ Dna مهما تعاقبت الأجيال.
ومن خلال المُقارنة بين النظريتين "نظرية داروين ونظرية التطور" فإن داروين يجد أن التغير أو التطور نتيجة عدم علمه بها هي لأجل تكيف الكائن مع بيئته، أما نظرية التطور فتقول إن الطفرة هي حدثت بالصدفة وتلاها تكيف الكائن الحي معها بعد حدوثها.
بعدما أدرك مؤيدي داروين أن مبدأ "الانتقاء الطبيعي" هو خاطئ وأن مقولة "لامارك" (إن الصفات لا تنقل إلا عن طريقDNA الصيغة الكيميائية لشفرات الوراثة) ادخلوا مفهوم "الطفرة الوراثية"، لكن الأبحاث تقول إن الطفرة الوراثية لابد أن تترك أثر سلبي على الشفرات الوراثية عوضاً أن تجلب له صفة وراثية جديدة مُفيدة كعامل تقوية، فالأحياء الذين تحصل عندهم الطفرة الوراثية هم مُشوهين ضعفاء يزولون بسرعة، وأخيراً وهو الأهم أن للكون خالق واحد ولذلك هناك نظام لكل شئ ولا يمكن أن يكون للصدفة دور في هذا الأمر.
"ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية بل تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد"(1),
وقال: "طالما أن للكون بداية (واحدة أكيدة) فحتما لا بد من خالق (واحد)" (2),
(1) “The whole history of science has been the gradual realization that events do not happen in an arbitrary manner, but that they reflect a certain underlying order.” (Brief history of Time, page 140)
(2) "So long as the universe had a (Certain one) beginning .. it had a (Certain one) Creator." (Brief history of Time, page 122)

(2) لطمات في تاريخ الداروينية
دلت أقدم المتحجرات Fossils التي بلغ عمرها حوالي 600 مليون سنة على أن الحياة ظهرت بأشكال عديدة فجأة حتى وصف ظهورها بالانفجار Explosion, وظهرت بهيئات بسيطة أولا من اللافقارياتInvertebrates ولكنها معقدة التركيب ابتداء بحيث امتلك بعضها عيون ذات عدسات كالفقارياتVertebrates, ولا يعلم أحد حتى اليوم على وجه اليقين كيف ظهرت هذه الأنماط المعقدة دون أسلاف سابقة انحدرت منها, ومع هذا التنويع الهائل لا يمكن تفسير نشأة أشكال الحياة إلا بخطوات مقررة مسبقا في سجل خطة الخلق محددة الخطوات عند نشأة الكون نفسه بلا سبق مادة منذ نحو: 10-15 بليون سنة.


وطبقا للداروينية تكونت للأسماك أقدام بدل الزعانف وخرجت للبر لتكون البرمائيات ثم الزواحف ثم الطيور والثدييات, ولكن الفك السفلي للثدييات يتكون من عظمة أما في الزواحف فتوجد ثلاث عظام صغيرة على جانبي الفك السفلي, وكل الثدييات لديها ثلاث عظام في أذنها الوسطى هي المطرقة والسندان والرِّكاب بينما توجد عظمة واحدة في الأذن الوسطى لدى كل الزواحف, فإذا كان عدد العظام مقياسا للتطور فأيهما أكثر تطورا: ذوات العظام الثلاثة أم العظمة الواحدة أم أن الكل مؤهل في أقصى درجات الكمال بما يناسبه والتسلسل في ظهور الكائنات وانقراضها ما هو إلا تجدد في الإبداع بروعة مذهلة!.

وقد تنبأ دارون قائلا: "إذا كانت نظريتي صحيحة فمن المؤكد أن هناك أنواعاً وسيطة لا حصر لها.. ولا يمكن أن تتوفر أدلة على وجودها في الماضي إلا بين بقايا المتحجرات", ومنذ القرن التاسع عشر يبحث أنصاره عن حلقة مفقودة بلا جدوى فتسببوا دون قصد في تكذيب نبوءته وإن ملئوا الساحة برسوم ظنية وأفلام خيالية للتأثير على العامة ولكنها تفتقر لأدلة علمية, فالمشكلة الأساسية في إثبات الداروينية تكمن في سجل المتحجرات نفسه فلم يكتشف قط أية آثار للحلقات الوسيطة بين الأنواع وعوضاً عن ذلك تظهر أجناس وتختفي أخرى, وقد اكتشفت متحجرة سمكية لها ما يشبه الرئة البدائية قدر عمرها بحوالي 410 مليون سنة سموها كولاكانث Coelacanth وافترض أنها الحلقة الوسيطة بين الأسماك والبرمائيات, ولكن في 22 ديسمبر عام 1938 اصطيدت من المحيط الهندي أول سمكة حية من نفس النوع فتبين أنها لا تعيش قريبا من السطح لتغزو اليابسة وإنما على عمق لا يقل عن 180 مترا وأن ما حيك حولها من وجود رئة بدائية لجعلها حلقة وسيطة مجرد افتراء.

ويشكل تركيب الطيور خاصة الأجنحة ذات الريش والعظام الخفيفة عائقا كبيراً لفرضية دارون, فمن غير الممكن أن تكون قد تشكلت جميع تركيبات الطيور المطلوبة للطيران على انفراد تدريجياً هكذا صدفة عن طريق تراكم تغييرات موجهة في الإتجاه الصحيح دوما, وافترضت الحلقة الوسيطة بعد ظهور الديناصورات مع العثور على بقايا متحجرة لما يشبه ديناصور صغير له أجنحة سموه الأركيوبتركچ Archaeopteryx يشتبه عدم نمو عظمة القص عنده وبالتالي عضلات صدره بما يكفى للطيران، ومع اكتشاف متحجرة عام 1992 تبين أنه ليس إلا طائرا منقرضا من ذوي الأسنان بعظمة قص عادية وريش وهو من ذوات الدم الحار بعكس الديناصور الذي يخلو بعضه من الأسنان, ومثله في وجود مخالب الأجنحة للتمسك بالأشجار كمثل بعض الطيور اليوم مثل طائر التاووراكو Taouraco وطائر الهواتزن Hoatzin، واكتشفت في الصين عام 1995 متحجرة لطائر معاصر له بلا أسنان سموه كونفوشيوسورنيس Confuciusornis مما ينفي أن الأسنان بالضرورة سمة للزواحف*, والخفاش يطير كذلك وهو حيوان ثديي ينتمي إلى فصيلة تختلف كل الاختلاف عن فصيلة الطيور, والحوت يسبح مع الأسماك وهو أيضا حيوان ثديي يختلف عن الأسماك, ولا سبيل لتفسير هذا التنوع البديع المعجز إلا القدرة المبدعة الخلاقة التي أتقنت كل شيء.

وكانت الضربة القاصمة للداروينية مع اكتشاف توريث صفات Traits كل نوع بما يحفظ خصائصه, وفي محاولة يائسة افترضت عام 1941 الطفرة Mutation ضمن النظرية التركيبية الحديثة للتطور The Modern Synthetic Evolution Theory, وسميت فرضية التطور البطيء التدريجي نتيجة تراكم تغييرات جينية باسم "الدارونية الجديدة New Darwinism", ولكن ثبت أن الطفرة لم تأت بكائن جديد وإنما بمسخ عقيم إذا لم تكتف بتخريب وظائف الجينات في الحامض النووي الذي يحفظ الصفات, وقد باءت كل المحاولات بفشل ذريع حتى في الإتيان بميزة نافعة واحدة جديدة, فأُدخلت الطفرات على ذبابة الفاكهةDrosophila جيلاً بعد جيل لأكثر من خمسين سنة فلم ينتج سوى التشوهات ولم تخرج ذبابة واحدة قط بصفة واحدة جديدة محمودة، وأما نتيجة إحداث الطفرات على الإنسان فالمثال الحي ما حدث للسكان الأبرياء في هيروشيما وناجازاكي عام 1945 حيث لم يكتسب ناج بعد إلقاء القنبلتين النوويتين أي صفة وراثية محمودة سوى التشوهات التي طالت الأجنة في بطون الأمهات وإصابة مختلف الأعمار بالسرطان, وفوق ذلك لم يعثر على أي من الأشكال الانتقالية التي من المفترض أن تدعم التطور التدريجي, وكشف التشريح المقارن كذلك أن الأنواع التي يفترض أنها تطورت بعضها من بعض تتسم بسمات تشريحية بعيدة الاختلاف مما يستبعد الانتقال التدريجي, ولذا استبدل بفرضية التطور بقفزات كبيرة متفرقة في بداية السبعينيات.

فاقترح بعضهم على سبيل المثال أن أول طائر خرج من بيضة إحدى الزواحف كطفرة هائلة؛ أي نتيجة صدفة ضخمة حدثت في التركيب الجيني, ولكن الطفرات لا تؤدي سوى إلى تلف المعلومات الوراثية ومن ثم فإن الطفرات الكبيرة لن ينتج عنها إلا تلفيات كبيرة، ولكن هل نشأت الحياة ذاتها كطفرة فجائية كبيرة! وهل نشأ الكون ذاته كذلك كطفرة ضخمة!, ومضمون الداروينية الجديدة تراكم طفرات عشوائية في التركيب الجيني تدريجيا أو فجائيا ويتم انتقاء سمات أنفع بآلية الانتقاء الطبيعي كأساس للتطور!, ولكنها بوجهيها كالدارونية القديمة تماما لم تكن نظرية علمية أبداً بل كانت مبدأ فلسفي يروج للإلحاد بخفاء حذر, ولو صح الانتقال التدريجي أو الفجائي في نشأة الأنواع فلن يكون ذلك مصادفة بل كعمليات خلق موجهة بوعي
وفي كتابه الثاني "سلالة الإنسان The Descent of Man" قدم دارون عام 1871 مزاعم حول تطور الإنسان من كائنات شبيهة بالقرود, فبدأ البحث والتنقيب ليس عن متحجرات فحسب بل عن سلالات بشرية حية تمثل الحلقات الوسيطة, فقام أحدهم عام 1904 في الكونغو باصطياد رجل أفريقي متزوج ولديه طفلين، وبعد تقييده بالسلاسل ووضعه في قفص كالحيوان نُقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم عرضه على الجمهور في إحدى حدائق الحيوان تصحبه بعض القردة بوصفه أقرب حلقة انتقالية للإنسان الغربي الأبيض, وأخيرا انتحر الرجل المسالم الذي كان يسمى بلغته المحلية أوتا بينجا Ota Benga بمعنى: الصديق*, وليس من قبيل الصدفة أن يُكتب في بروتوكولات حكماء صهيون العبارة التالية: "لاحظوا هنا أن نجاح دارونDarwin.. قد رتبناه من قبل والأمر غير الأخلاقي لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي (غير اليهودي) سيكون واضحاً لنا على التأكيد"(4)والزعم بصراع حضارات الأجناس البشرية ليس إلا غرضا استعماريا يتخفى بعباءة علمية زائفة ومضمونه تمييز عنصري, وهو جد الزعم بالإنسان الأمثل Superman سليل الإنسان الغربي الأبيض الذي يسود وتنقرض بقية الشعوب أو تصبح له عبيد, وما زالت البشرية تدفع ثمنا باهظا نتيجة لهذه الأفكار الزائفة التي جعلت دولا معاصرة تمارس همجية الغاب بادعاءات كاذبة.


على الرغم من أن هذه النظرية لها أصول يونانية قديمة, إلا أنها ظهرت بشكل واضح لأول مرة بواسطة العالِم الفرنسي "لامارك" , و هو عالم أحياء.
و ظهرت هذه النظرية بالتحديد كالآتي:
"أن الكائنات الحية وُجِدَت بواسطة قوة حيوية ما, و أن هذه الكائنات الحية تتطور من جيل لآخر بسبب صفات مُكتَسَبة, و كان المثال على ذلك, هو أن زرافة هذه الأيام لديها رقبة طويلة, و لكن هذا لم يكن أجداد الزرافات في الماضي حيث كانوا يأكلون من الأعشاب الأرضية, و بالتالي كانت ذات رقبة قصيرة و بسبب تطلعها دائما و محاولتها الأكل من الشجرات العالية أصبحت زرافة هذه الأيام برقبة طويلة"
الرد العلمي على ذلك:
هو ما توصل إليه العلم الحديث في مجال الجينات, حيث توصل العلماء في منتصف القرن العشرين إلى أن كل خلية تحمل صفات الكائن الحي في النواة على ال DNA , و أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتغير صفة جينية محمولة على ال DNA بسبب وجود صفة مُكتَسَبة جديدة تطرأ على الكائن الحي في أثناء حياته 
و بالتالي حتى لو فرضنا أن الزرافة كانت ذات رقبة أقصر في وقت من الأوقات ــ و هذا ليس صحيحا ــ و استطاعت بعض الزرافات أن تطيل رقبتها قليلا في أثناء حياتها لعدة سنتيمترات, فإن هذا الطول الجديد لن يتم توريثه لذريتها لأنه لا يمكن أبدا أن يؤدي إلى تأثير في الجينات الموجودة في خلاياها
و من هنا نخلص إلى أن الفرض الأساسي الذي فرضه لامارك, هو محض خرافة و ليس لها أي دعم أو دليل علمي من قريب أو من بعيد 

الفكر الاجتماعي اللاديني قديم الأصول، فقد تحدث أرسطو عن الحياة الاجتماعية للإنسان، وقال عبارته المشهورة: 'الإنسان حيوان اجتماعي' كما أن أفلاطون كانت له نظراته الاجتماعية التي دونها في جمهوريته وإن كانت من صنع الخيال.
ولما كان عصر النهضة الأوروبية وبعثت الآداب والفلسفات الإغريقية انبعث التفكير الاجتماعي اللاديني باتجاهيه: الخيالي الممثل في الطوبيات أو المدن الفاضلة، والواقعي الذي يحاول أن يستمد من الفلسفة والعقل ما يناهض به الكنيسة وتعاليمها.
وكانت ريادة هذا المجال من نصيب مكيافيللي وهوبز اللذين ألمحنا إليهما في الفصل الأول من هذا الباب ويتلخص رأي هوبز ومكيافيللي في أنه عندما تنحرف المعتقدات عن المبادئ الأخلاقية والشرعية يستتبع ذلك في مجال الأفكار فترة فراغ نرى فيها أن فكرة العنف هي التي تسود لعدم وجود ضابط للشرعية، وفي رأي هذين الكاتبين أن الحياة في المجتمعات تقوم على استخدام القوة، وتتلخص السيكولوجية المجتمعة عندهما في العبارة الشهيرة: أن الإنسان ذئب بالنسبة للإنسان، وفي قول مكيافيللي : إن ميل الإنسان للشر يفوق ميله إلى الخير.
ويعلق بوتول على ذلك قائلاً عن مكيافيللي : إن أهمية هذا المؤرخ الفلورنسي أنه جعل لفلسفة التاريخ: ولعلم الاجتماع السياسي وجوداً مستقلاً. [417]
وكان من رواد الأفكار الجديدة أيضاً الفيلسوف اليهودي سبينوزا الذي اشتهر بعداوته للأديان وأخلاقياتها، وكان معاصراً لـهوبز ، وفي رأيه أن الناس يعيشون في الأصل خاضعين لسيطرة شهواتهم، وأن حقوق الناس في نزاع دائم مع قوتهم التي تتعادل فقط مع هذه الحقوق، ويهاجم سبينوزا علم الأخلاق الذي كان يسود في العصور الوسطى، والذي يمجد النسك ويدعو للندم والذي يغلب فيه الميل للشقاء فيقول: 'إن اللذة خير في ذاتها والألم قبيح في ذاته... وأن الحكمة هي التأمل في الحياة لا في الموت'
على أن كاتباً آخر تطرف في عداوته للكنيسة وأخلاقها بدرجة عجيبة وهو مانديفيل في كتابه أقصوصة النحل الذي أثار فضيحة، وكان له دوي عظيم، فقد ذهب إلى أن النقائص هي بالتحديد التي يدمغها الأخلاقيون كالشراهة والتعجرف والفسق... إلخ، وهي التي أتاحت انتشار الحضارة والفنون والتكتيك فهذه الاتجاهات التي اعتبرت مذمومة هي في الواقع أعظم العناصر الديناميكية التي لولاها لاضمحل الإنسان إلى حالة قريبة من الحيوانية. [418]
وهذه البدايات والأفكار ظلت مبعثرة لم تنسق في علم واحد حتى ولد علم الاجتماع باعتباره علماً خاصاً يدرس العلاقات والظواهر المجتمعة دراسة مفصلة ضمن قواعد ومعايير خاصة.
ولادة علم الاجتماع:
يبدأ نسب العلم وأصله في فرنسا من مونتسكيو (1689 - 1755) فكتابه روح القوانين بحث في الفلسفة السياسية، وكان يعني بكلمة (قوانين) العلاقات الضرورية المستمدة من طبائع الأشياء، وقد ميز بين طبيعة المجتمع ومبدأ المجتمع بقوله طبيعة المجتمع هي بناؤه الخاص المميز ومبدأ المجتمع هو الرغبات والأهواء الإنسانية التي تدفعه للعمل.
ثم جاء سان سيمون الذي كان ابناً حقيقياً لعصر التنوير ولذا كان يؤمن إيماناً شديداً بالعلم والتقدم كما كان يرغب فوق كل شيء في إنشاء علم وضعي للعلاقات الاجتماعية.
وأِشهر تلاميذه هو أوجست كونت ، ثم جاء دور كايم وتلاميذه وليفي بريل وقد كانوا جميعاً يتابعون نفس التقليد الذي وضعه سان سيمون ..
أما في بريطانيا فكان ديفيد هيوم وآدم سميث وهوبز ، وكان هؤلاء الفلاسفة ينظرون إلى المجتمع على أنه نسق طبيعي، أي أنه ينشأ من الطبيعة البشرية ذاتها، وليس من العقد المجتمع، وبهذا المعنى كانوا يتكلمون عن الأخلاق الطبيعية والدين الطبيعي والفقه الطبيعي وغير ذلك. [419]
هذا الإجمال الذي ذكره مؤلف الانتروبولوجيا الإنتاجية يحتاج إلى تفصيل بذكر كل اتجاه وإعطاء فكرة عن منهجه وآرائه:
أولاً - نظرية العقد الاجتماعي:
كانت النظرية السائدة قبل كونت هي نظرية العقد الاجتماعي وصاحبها هو جان جاك روسو وقد سبق شيء من الحديث عنها في الفصل الأول من هذا الباب، والذي يهمنا منها الآن هو نظرتها إلى الأخلاق، أي إلى أسلوب التعامل بين أفراد المجتمع.
والواقع أن روسو كان جريئاً في تحديه للدين وخروجه على أخلاق وتقاليد عصره، فقد نفى العنصر الإيماني من الأخلاق، وجعل مدارها الرئيسي المصلحة الدنيوية المجردة، أي: تحقيق أفضل وسيلة للتعاون مع المجتمع في حدود الدنيا فقط، ولغرض المنفعة الخاصة أو العامة إن أمكن، وبذلك نشأ للمرة الأولى في تاريخ المسيحية -أن نظر الباحثون للأخلاق على أنها مظاهر صورية للتعامل الخارجي، لا حقائق وقيم تنبع من ضمير الإنسان ويوحي بها وجدانه الإيماني.
ولم يصرح روسو بمعتقده بطريق مباشر بل استخدم خياله لتصوير دعائم فلسفية وهمية يقيم نظريته عليها، وسنتابعه افتراضاته حتى نصل معه إلى النتيجة المبتغاة: الأصل في الإنسان الفردية، وكان سعيداً أيام حياته تلك ومتبعاً للقانون الطبيعي ولكن الكوارث ودواعي الاجتماع جعلته يتعلم اللغة ويألف الاجتماع حتى أصبح الإنسان الطيب شريراً بالاجتماع.
على أن الاجتماع قد أضحى ضرورة، ومن العبث محاولة فضه والعودة إلى حال الطبيعة، وكل ما نستطيع صنعه هو أن نصلح مفاسده، بأن نقيم الحكومة الصالحة، ونهيئ لها بالتربية المواطنين الصالحين. [420]
أما كيفية تحقيق ذلك فيرى روسو : 'أن هذا الغرض ممكن التحقيق بأن تجمع الكثرة المفككة على أن تؤلف شيئاً واحداً وأن تحل القانون محل الإدارة الفردية وما تولده من أهواء وتجرده من خصومات، أي أن يعدل كل فرد عن أنانيته وينزل عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع بأكمله، وهذا هو البند الوحيد للعقد الاجتماعي، ولا إجحاف فيه، إذ بمقتضاه يصبح الكل متساوين في ظل القانون، والقانون إرادة الكل تقر الكلي، أي المنفعة العامة'
وبعد هذه الافتراضات يبدأ روسو في إملاء مقترحاته حول المجتمع المتعاقد:
لهذا المجتمع دين مدني لا يدع للفرد ناحية من نواحي الحياة مستقلة عن الحياة المدنية، ويتعين على الدولة أن تنكر ديناً كـالمسيحية يفصل بين الروحي والسياسي، وألا تطيق إلى جانبها سلطة كنسية، إذ لا قيمة لما يفصم الوحدة الاجتماعية وإنما لزم الدين؛ لأنه ما من دولة قامت إلا وكان الدين أساسها، على أن يكون هذا الدين قاصراً على العقائد الضرورية للحياة، تفرض كقوانين حتى لينفى أو يعدم كل من لا يؤمن بها، لا باعتباره كافراً، بل باعتباره غير صالح للحياة المجتمعة!
هذه العقائد هي عقائد القانون الطبيعي: وجود الله والعناية الإلهية والثواب والعقاب في حياة آجلة وقداسة العقد المجتمع والقوانين، ولكن أن يضيف إليها ما يشاء من الآراء في ضميره، أما بالنسبة للأخلاق فعند روسو أن كل ما يسمى الآن حقوقاً وأخلاقاً، ويستمد له سنداً من العقل هو صناعي ناشئ عن الحياة الاجتماعية التي هي صناعية كذلك، وليس في حال الطبيعة أخلاق وحقوق، ما دام الإنسان في تلك الحال مستغنياً عن الإنسان مقطوع الصلة به. [421]
من ذلك يتضح أن موقف روسو يقوم على أمرين:
1-فراره الأعمى من الكنيسة المسيحية وعقائدها وأخلاقها، لا سيما وأنه تعرض هو وأمثاله لاضطهادها.
2- الرومانسية التي يعد أعظم روادها، والتي كانت رد فعل لتقديس العقل الذي كان طابع ما يسمى عصر التنوير، والتي ظهر أثرها أكثر ما ظهر في مجال الفن والأدب.
هذا وقد سبقت الإشارة إلى قيام الثورة الفرنسية على أفكار روسو الاجتماعية حتى لقد وصف كتابه العقد الاجتماعي بأنه إنجيل الثورة الفرنسية.
ثانياً: المدرسة الطبيعية:
إذا تابعنا الفكرة القائلة أن في تاريخ العلم الحديث ثلاث ثورات، لكل منها أثره البالغ في عصره في أكثر من ميدان، فإن الثورة النيوتونية -أي: نظرية الجاذبية- هي الثورة الثانية من جهة الوجود التاريخي ومن جهة شمول تأثيرها. [422]
لقد برهن نيوتن على أن الكون أو الطبيعة ليست منفلتة ولا مفككة كما كان يتوهم الأقدمون، ولكنها متسقة بدقة عجيبة يربط بين أجزائها قانون رياضي مطرد، ولا شيء من مظاهرها يشذ عليه، هذه الفكرة أوحت إلى العلماء والباحثين الذين كانت الكنيسة تحصي عليهم أنفاسهم وتضيق الخناق على معطياتهم، بأن ينعتقوا من ربقتها ويكفروا بإلهها مؤمنين بإله جديد أسموه بالطبيعة، لكنهم إذ تخلصوا من العقيدة المسيحية المزعجة للعقل، رأوا أن أصعب من ذلك التخلص من الأخلاق المسيحية ، التي يراها كل إنسان عاقل ضرورية لبقاء مجتمعهم، لذلك لم يتورعوا عن الإدعاء بأن للإله الجديد قانونه الأخلاقي وشريعته الاجتماعية، التي تجعلنا في غنى تام عن أخلاق وشريعة الكنيسة. ويشترك في هذا الادعاء الذين أنكروا وجود إله الكنيسة جملة والذين آمنوا به على أنه صانع ساعة على حد تعبيرهم مع إنكار الوحي والأديان، وهؤلاء يطلق عليهم بمجموعهم اصطلاح الطبيعيين.
ويرى أولئك أن العقل البشري -قادر بالاعتماد على نفسه- أن يكتشف القانون الطبيعي المجتمع مثلما استطاع نيوتن اكتشاف القانون الطبيعي لنظام الكون، ومن ثم فليست الأخلاق مرتبطة بالدين، بل لا داعي أصلاً للوحي والكتب السماوية والهيئات الكهنوتية، فكل هذه ليست سوى عوائق تباعد بين الناس وبين القانون الطبيعي الذي له وحده أن يسود.
يقول راندال : 'إن أحد الأركان الأساسية الثلاثة لديانة العقل كان الاعتقاد أن نظام الطبيعة متضمن لقانون طبيعي في الأخلاق يجب معرفته واتباعه كأي من المبادئ العقلية التي تضمنتها آلة العالم النيوتونية ، ومعنى ذلك: أن مبادئ الثواب والخطأ والعادلة والظلم كانت بالنسبة إلى القرن الثامن عشر منسجمة في منهج العقل والعلم، وأن المسلم به كلياً أن لعلم الأخلاق استقلالاً عن أي أسس لاهوتية وإلهية يماثل استقلال أي نوع آخر من المعرفة البشرية، والحقيقة أن الله أمر بالمبادئ الأخلاقية مثلما أمر بقانون الجاذبية لكن مضمون أوامره كمضمون جميع قوانين الطبيعة الأخرى لابد من كشفه بالطرق العقلية والتجريبية للعلم النيوتوني' .
وقد أحست بعض النفوس الجريئة مثلما أحس مونتسكيو بأنه لو لم يكن هناك إله على الإطلاق وتحررنا كما يجب، من عبودية الدين فيجب ألاَّ نتحرر من عبودية العدالة، وذلك أن مناهج علم الإنسان والسياسة والاقتصاد والمجتمع بصورة عامة يجب أن تشمل في نطاقها الأخلاق أيضاً. [423]
أما التخلص من أخلاقيات الكنيسة فقد سلك الطبيعيون إليه طريقاً ملتوياً إذ قالوا: 'إن الله لا يقتصر على وضع القانون الأخلاقي في الكون، وإنما هو قد بث في كل نفس قبساً أو صدى لهذا القانون الأخلاقي نفسه. وهكذا فإن إصغاءنا لصوت ضميرنا أو الالتجاء إلى النور الواضح للعقل الطبيعي - وهي عبارة أثيرة لدى مفكري القرن الثامن عشر - يؤدي بنا إلى كشف نفس الأوامر التي وردت إلينا من الكتاب المقدس ومن كتابات آباء الكنيسة، وعلى ذلك فإن الوحي يدعم الضمير، والضمير من جانبه يدعم سلطة الوحي، ومن هنا فإننا نستطيع أن نستدل على واجبنا من مصادر أخرى غير سلطة الكتاب المقدس أو القانون الكنسي وحده' [424] .
واشتد الطبيعيون -ومن جرى مجراهم- في نقد الأخلاق المسيحية لا سيما بعد التشهير والتكفير اللذين تعرضوا لهما من جانب الكنيسة وحاولوا إثبات خطأ الأخلاق المسيحية وعدم فعاليتها، معتمدين على أسس عقلية وأدلة تاريخية وواقعية نستطيع حصرها فيما يلي:
1-أنها أخلاق اصطناعية غير طبيعية: ومن السهل أن يجد هؤلاء الأدلة الكافية لإثبات هذا الرأي، فقد ذكر كرسون وغيره من الباحثين الأخلاقيين، أن السيرة السيئة لرجال الدين والسلوك الشائن الذي امتازوا به كان أعظم أثراً في الهدم الأخلاقي من كل النظريات العقلية المهاجمة لها، وأصحاب هذا الرأي يقولون: إن الأخلاق المسيحية كالعفة والإيثار والرحمة مبنية على التكلف والاصطناع -وهم هنا يلتقون مع روسو - وليس أدل على ذلك عندهم من أن رجال الدين أنفسهم أول من يخالفها ويصادم دعاوها... ولو كانت هذه الأخلاق طبيعية أي متمشية مع القانون الطبيعي، لما كانت هذه المفارقة التي يشهد بها الواقع المحسوس، لذلك فإن الواجب على المجتمع الذي ينشد الخير والتكامل أن ينفي عنه هذا الزيف والنفاق الذي يسمى الأخلاق المسيحية ويستعيض عنها بالأخلاق الطبيعية، التي يوحي بها الضمير الداخلي ويدعو إليها الانسجام الماثل في الطبيعة الخارجية.
2-أنها أخلاق تعسفية غير عقلية: يرى هؤلاء أن النظرة المسيحية هي: "إن قوام الحياة الأخلاقية هي طاعة القانون لكن المشكلة في نظرهم هي أن هذا القانون ليس قانوناً يكتشفه العقل البشري وليس بالتالي قانوناً يبدو لنا معقولاً، وإنما هو قانون أتانا من الوحي الإلهي الذي لا يكون أمامنا إلا أن نطيعه، سواءً أكان يبدو معقولاً أم غير معقول، منطقياً أم تعسفياً، عادلاً أم ظالماً، فمن الواجب إطاعته لمجرد كونه تعبيراً عن الإرادة الإلهية، لا لأننا نرى فيه وسيلة لتحقيق سعادتنا المباشرة، وبطبيعة الحال فنحن نفترض أنه لما كانت القوة التي تسهر على تنفيذ هذا القانون الإلهي هي ألوهية خيرة، فسوف يكون بذلك قانوناً خيراً يعبر عن حكمة عليا، ولكن لما كان خلاصنا يتوقف مباشرة على إطاعتنا لهذا القانون، فمن الواضح أن المطلوب منا هو أداء واجبات يحددها بغض النظر عن رأينا البشري في هذه الأوامر.
ولقد ظل أداء المسيحي لواجبه يعد حتى يومنا هذا مسألة طاعة لا مسألة تبصر، وقد أحسن بعضهم التعبير عن هذه الفكرة إذ قال: إن سبب كون هذه الطاعة خيراً أو حتى سبب كونها لازمة هو أمر لا شأن لنا به وكل ما يهمنا بحق هو أنها لازمة. [425]
3- أنها أخلاق نفعية انتهازية: يرى أولئك أيضاً أن الأخلاق المسيحية تقوم على مبدأ الثواب والعقاب في العالم الآخر، وتعد الجنة والنار حافزين لهما أهمية قصوى في السلوك الأخلاقي للمسيحي، وهناك حجة مشهورة على وجود الله تقول: 'لو لم يكن الله موجوداً لكان من الضروري ابتداعه، ونستطيع أن نتصور أنصار هذا الرأي وقد أعادوا صياغة هذه الحجة، بحيث تصبح لو لم تكن الجنة والنار موجودتين لكان من الضروري ابتداعهما، وذلك لضمان إقبال الناس على أداء واجباتهم المسيحية '
ويتلخص رد أولئك على هذا الرأي بأنه يجعل الأخلاق في أساسها مسألة انتهازية أو شطارة وأن الأخلاقية ليست إلا سياسة حكيمة، فلو أردنا اكتساب البركة الإلهية أو البقاء بمنأى عن المتاعب في هذا العالم وفي العالم الآخر معاً فعلينا إطاعة أوامر الأخلاق ولا سيما الأخلاق المسيحية ، ومع ذلك فإن هذا الموقف لا يقتصر على المسيحية الشعبية بل إنه على العكس من ذلك قد انتشر على نطاق واسع منذ كانت للناس آلهة يطيعونها أو يسترضونها أو يبتهلون إليها، فقد كانت الأذهان الساذجة تميل دائماً إلى أن تجعل من العبادة الدينية نظاماً للمقايضة يعد فيه العبد بعمل شيء للرب -أي: بطاعته والتضحية له أو مجرد الاعتراف به- ويتوقع في مقابل ذلك نعماً معينة من الرب. [426]
تلك بعض الأسس التي ارتكز عليها أولئك في هجومهم على الأخلاق المسيحية ، وسنرى أن هذا الهجوم قد تبلور واتخذ صيغاً مغايرة أعمق نقداً وأقوى أثراً في النظريات التالية.
ثالثاً: المدرسة الوضعية العقلية:
(أ) أوجست كونت :
شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر اضطرابات اجتماعية وتقلبات فكرية منوعة، فقد سقطت أنظمة وأوضاع دامت قروناً متوالية. وانهارت قواعد ومبادئ كانت تسد حاجات المجتمع وتلبي رغباته في مجالات كثيرة، ولم يعقب هدم الماضي الذي أوغل فيه عصر التنوير بناء جديد للحاضر والمستقبل، وظهر لكثير من المفكرين حقيقة أن الهدم قد يتم بوسائل وأفكار خاطئة تماماً، إلى درجة أنها لا تستطيع أن تبني شيئاً جديداً.
وكان الإنجاز الوحيد الذي استقطب الأذهان وبهر الأنظار هو التقدم العلمي في مجالات البحوث الطبيعية. إلا أنه مهما بلغ من العظمة لم يكن ليغطي القبائح والأمراض التي يعاني منها المجتمع الأوروبي المتناقض، والتي سببها تدهور وانحطاط القيم الاجتماعية بعد أن عجز الفلاسفة عن الإتيان ببديل لقيم الكنيسة الآخذة في الاضمحلال.
وتساءل كثير من زعماء الفكر: أليس في إمكان العقل البشري بعد تحريره من نير الكنيسة البغيض أن يحقق النجاح الذي ظفر به في مجالات الطبيعة فيبتكر ديناً وضعياً يوازي العلم الوضعي الذي استطاع أن يحل محل علم الكنيسة الميتافيزيقي.؟
وكان أبرز من أجاب على هذا السؤال عملياً، هو الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت رائد المدرسة الوضعية في الفكر والحياة، والذي يمثل التيار الأهوج الذي انبعث لمواجهة طغيان الكنيسة وحماقاتها.
ينطلق كونت في فلسفته الوضعية من زعمه أنه اكتشف القانون الأساسي للتقدم البشري، وهو قانون تتابع المراحل الثلاث:
1- مرحلة الخرافة.
2- مرحلة الدين.
3- مرحلة العلم الوضعية، [427]
ويرى كونت أنه لكي نتجنب أخطاء المرحلة الثانية لنصل إلى علمية المرحلة الثالثة، فإنه على الفكر أن يتجرد من الغيبيات والأوهام ويركز اهتمامه على فكرتي الواقع والنافع لا غير، وهذا هو أساس الوضعية.
أما الواقع فشرط ضروري لقيام علماء الاجتماع مقام رجال الدين، وعلينا الآن أن نُعدِّل عمل رجال الدين معتمدين على الوقائع وحدها وعلى العقل وحده.
والمنهج الذي يحقق ذلك في نظره هو (استخلاص العنصر الوضعي الإنساني الثابت من العناصر السلبية الهرمة التي تحتويها الأديان التقليدية، والتي اتخذت من ذلك العنصر الوضعي مطية لها، وبذلك يكتمل المذهب الوضعي ويتوجه على هذا النحو الدين الوضعي).
والدين الوضعي يقوم على الانتقال من الواقع إلى النافع:
يرى كونت أن تعاليم الأديان يمكن تلخيصها في معتقدين: الله والخلود، والدين الوضعي يعمد إلى اختيار المضمون الوضعي لهذين المعتقدين، فالمضمون الوضعي لفكرة الألوهية هو فكرة موجود كلي عظيم أزلي تتصل به نفوس العباد فيضفي عليها القدرة على قمع ميولهم الأنانية المتنافرة.... والمضمون الوضعي للخلود هو فكرة مشاركة أهل الحق والعدل... في جانب من الحياة الأزلية للموجود الإلهي ومن هذين المضمونين يستخلص كونت فكرة واحدة شاملة هي الإنسانية، فالإنسانية هي الفكرة الوضعية المتطورة لفكرتي الله والخلود اللتين كانت البشرية تدين بهما في المرحلة الثانية، ويعتقد كونت أن الإنسانية إذا فهمت على هذا النحو فإنها تكون هي نفسها الإله الذي ينشده الناس، أي الموجود الحق العظيم الأزلي يتصلون به اتصالاً مباشراً ويستمدون منه الوجود والحركة والحياة، وبذلك يصل بنا كونت إلى هدفه المراد وهو إلغاء العقائد الدينية الغيبية، وما يتصل بها من أخلاق ونظم اجتماعية، واعتبارها أفكاراً وأوهاماً غير واقعية ولا نافعة، وإنما تعبر عن الصورة غير المكتملة للإنسانية في مرحلة دنيا من مراحل تطورها.
أما الأسلوب العلمي الحديث، فهو أن يعتنق الناس الدين الوضعي ويعبدوا الإله "غير المشخص": الإنسانية، وعليهم أن يستمدوا مثلهم وأخلاقهم وقوانين تنظيمهم الاجتماعي من ذخيرته وحدها، وعن هذه الذخيرة من القوى الخلقية المتجمعة على مر الأجيال في الموجود تفيض إلى القلوب الأفكار العظيمة والمشاعر النبيلة، فالإنسانية هي الموجود العظيم الذي يسمو بنا عن أنفسنا، ويضيف إلى ما عندنا من تعاطف قدراً فائضاً من القوى التي يحتاج ذلك الميل إليها لإخضاع ميول الأثرة، وفي الإنسانية يتحاب الناس ويتآخون، ثم في الإنسانية يستطيع الناس أن ينعموا حقاً بالخلود الذي يتطلعون إليه. [428]
تلك هي أسس الوضعية التي أراد كونت أن يتحدى بها تعاليم الدين في العقيدة والسلوك، وقد كان يرى نفسه قادراً على وضع منهج للحياة بديل للمسيحية ، وهي حماقة مغرورة نتج عنها علم الاجتماع اللاديني الذي ما يزال بعض المفكرين يتردد في تسميته علماً. [429]
ويمكن القول بأن آراء كونت وفلسفته لم تكن لتشتهر وتصل من التطبيق إلى الحد الذي بلغته، لولا تلميذه اليهودي دوركايم ، الذي طور المذهب ووضع له قواعد محددة، واهتم بالمشاكل العملية مضيفاً إلى ذلك حقداً أعمى وعداوة للدين مريرة.
(ب) دور كايم :
كان من حظ المدرسة الوضعية (وبالنظرة البعيدة من حسن حظ الهدامين التلموديين) وفي الوقت نفسه من سوء حظ الأخلاق الأوروبية أن انفجرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الثورة الفكرية الثالثة أو نظرية التطور.
فالتفسير الآلي الميكانيكي لنشأة الحياة وتطورها عزز الآلية النيوتونية عن الكون غير العضوي، وأفسح المجال أمام الناقمين على الكنيسة لاستنتاج تفسيرات اجتماعية وسلوكية آلية كذلك.
وهكذا أصبح من الواضح أن أثر الداروينية في العلوم الإنسانية لا يقل عنه في علوم الطبيعة والحياة، لا سيما الإيحاءان الخطران حيوانية الإنسان مع نفي الغاية من وجوده والتطور المطلق، فليس من مؤلف اجتماعي غربي لا يبرز فيه هذان الإيحاءان بجلاء.
والواقع أن علم الاجتماع كان يعاني صعوبات جمة ويستهدف لانتقادات غير يسيرة، لم ينقذه منها إلا نظرية التطور التي أشيعت بطريقة مذهلة تثير علامات استفهام كثيرة!
ويتحدث دور كايم نفسه عن هذه الصعوبات متفائلاً لعلم الاجتماع بنجاح يضاهي نجاح النظريات الطبيعية: 'ليس هناك علم إلا وواجه مقاومة من قبل العواطف الإنسانية التي كانت تمس الظواهر الطبيعية، وكانت هذه المقاومة لا تقل في عنفها عن المقاومة التي يلقاها علم الاجتماع في وقتنا الحاضر، وذلك لأن الظواهر الطبيعية كانت هي الأخرى ذات طابع ديني أو خلقي، أما وقد تحررت العلوم واحداً بعد آخر من سيطرة تلك الفكرة الشائعة، فإنه يحق لنا الاعتقاد أنها سوف تختفي في نهاية الأمر من علم الاجتماع أيضاً، أي: من آخر معاقلها، وبذلك تدع السبيل حراً أمام العلماء' [430] .
ويعلل دور كايم توقعاته بالمبررات التي يراها كافيه لفصل علم الاجتماع عن الدين، ومن ذلك اعتقاده أن المجال الاجتماعي مجال من مجالات الطبيعة لا يفرقه عنها إلا أنه أشد منها تعقيداً، ومعلوم أنه من المستحيل أن تختلف الطبيعة اختلافاً جذرياً عن أصلها من حالة إلى حالة فيما يتعلق بالأسس الكبرى [431] .
أي أننا في المجال البشري نستطيع بمقدراتنا الذاتية أن نكتشف ما اكتشفه نيوتن في الطبيعة من قوانين ثابتة، أو ما اكتشفه داروين من حركة آلية متغيرة.
ولا يفوت دور كايم أن يحدد طبيعة مذهبه كيلا يلتبس بالنظريات الأخرى، فهو يقول: 'إن الوصف الوحيد الذي نرتضيه لأنفسنا هو أن نوصف بأننا عقليون (لا ماديون ولا روحيون) وذلك لأن الهدف الرئيسي الذي نرمي إليه ما هو في الواقع إلا محاولة نريد بها مد نطاق المذهب العقلي حتى يشمل السلوك من الناحية التاريخية إلى بعض العلاقات السببية، وأنه من الممكن أيضاً تحويل هذه العلاقات بعملية عقلية إلى بعض القوانين التي يمكن تطبيقها عملياً في المستقبل، وليس مذهبنا الذي خلع عليه البعض اسم المذهب الوضعي سوى إحدى نتائج المذهب العقلي'
ولو حاولنا أن نختصر مذهب دور كايم لوجدنا أن محوره ثلاثة أسس:
1-عقل جمعي عشوائي خارج عن شعور الأفراد.
2-هذا العقل يصدر أوامره على شكل ظاهرة اجتماعية تتقلب وتتغير بطريقة غير منطقية.
3-هذه الظاهرة تقهر الأفراد وتخضعهم لسطوتها شعروا أو لم يشعروا.
وتفصيل ذلك يبدأ من اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء موضوعية لها حقيقتها الخارجية: "إن طريقتنا طريقة موضوعية؛ ذلك لأنها تقوم بأسرها على أساس الفكرة القائلة بأن الظواهر الاجتماعية أشياء ويجب أن تعالج على أنها أشياء".
"إذا سلم الناس بأن هذا المركب الفريد في جنسه الذي يتكون منه كل مجتمع يؤدي إلى وجود بعض الظواهر الجديدة التي تختلف في طبيعتها عن الظواهر النفسية التي تمر بشعور الأفراد كل منهم على حدة؛ فلابد من التسليم -أيضاً- بأن هذا النوع الجديد من الظواهر لا يوجد في المجتمع، ونعني بها أفراده وإنما يوجد في نفس المجتمع الذي أوجدها، وبناءً على ذلك فإن هذه الظواهر تكون خارجة عن شعور الأفراد حالة تفرقهم".
"إن الظاهرة الاجتماعية هي كل ضرب من السلوك -ثابتاً كان أم غير ثابت- يمكن أن يباشر نوعاً من القهر الخارجي على الأفراد، أو هي كل سلوك يعم في المجتمع بأسره وكان ذا وجود خاص مستقل عن الصور التي يشكل بها في الحالات الفردية".
وهذه الظواهر غير ثابتة وليس لها صور معينة تتشكل فيها:
"إنه كلما أصبحت البيئة الاجتماعية أشد تعقداً وأسرع تطوراً أدت إلى تزعزع التقاليد والعقائد المتوارثة، التي تتشكل بصور غير محددة شديدة المرونة".
كما أن العواطف المتعلقة بها ليس مصدرها الله أو الدين كما يتصور الناس: "لا تمتاز العواطف التي تتعلق بالظواهر الاجتماعية في شيء عن الظواهر الأخرى على مر العصور، وهي وليدة التجارب الإنسانية ولكن أي تجارب؟!
إنها تجارب غامضة مهوشة، وليست هذه العواطف فيما أعلم وليدة فكرة علوية مثالية، وجدت من قبل أن يوجد هذا العالم الحسي، ولكنها نتيجة لألوان شتى من الخواطر والانفعالات التي تراكمت على غير نسق وعلى غير هدى، ودون أي تفسير منهجي سليم" . [432]
ثم إن بيت القصيد في مذهب دور كايم هو تطبيق هذه الأسس الوهمية على الدين وما يتصل به من عقائد وأخلاق، ويتلخص هذا التطبيق في ثلاث قضايا:
1- أن الدين ليس إلهياً لأن فكرة الألوهية - في نظره - ليست إلا تعبيراً عن البيئة الاجتماعية في مرحلة من مراحل تطورها، ويكون الإله فيها رمزاً للدرجة التي وصل إليها تطوره: 'إذا أردنا فهم الفكرة التي يكونها المجتمع عن نفسه وعن العالم الذي يحيط به، فلا بد لنا من دراسة طبيعة هذا المجتمع لا طبيعة أفراده، فإن الرموز التي يتخذها المجتمع شعاراً له يستعين بها على التفكير في ذاته تختلف باختلاف الحالات التي يوجد فيها، فإذا تصور المجتمع -مثلاً- أنه ينحدر من سلالة حيوان أسطوري واتخذ هذا الحيوان شعاراً له، فمعنى ذلك أنه يتألف من إحدى تلك الجماعات الخاصة التي نطلق عليها اسم العشيرة.
أما إذا استعاض عن هذا الحيوان الأسطوري بجد إنساني أسطوري هو الآخر؛ فمعنى ذلك أن طبيعة العشيرة قد تغيرت، وإذا تخيل المجتمع وجود آلهة أخرى أسمى مقاماً من آلهته المحلية والعائلية، واعتقد أنها تسيطر على تلك الآلهة الأخيرة، فمعنى ذلك أن الطوائف المحلية التي يتكون منها هذا المجتمع قد أخذت تميل إلى التركيز وتتجه إلى تكوين وحدة اجتماعية، وأن درجة التركز التي يدل عليها وجود معبد يضم جميع الآلهة (Pantheon) تقابل درجة التركز التي وصل إليها المجتمع في ذلك الوقت نفسه.
"وإذا لم يرتض المجتمع بعض ألوان السلوك، فإن السبب في ذلك يرجع إلى أنها تخدش بعض عواطفه الأساسية وتقوم هذه العواطف على أساس من طبيعة المجتمع كما أن عواطف الفرد ترجع إلى تركيبه الطبيعي وتكوينه العقلي".
وإن الواجب الذي ينبغي القيام به في هذا الصدد هو أن نبحث عن طريقة تداعي التصورات الاجتماعية وتنافرها واتحادها واقترانها، وذلك بأن نقارن بين الديانات الأسطورية والقصص والتقاليد الشعبية' [433] .
2- أن الدين -بناء على ما سبق- ظاهرة اجتماعية يفرضها العقل الجمعي بقدرته القاهرة على الأفراد في بعض البيئات والمراحل، دون أن يكون لهم حرية اختيار في ذلك، وهذا يعني أنه لو فرض عليهم - أحياناً - ألا يكون لهم دين مطلقاً لكانوا غير متدينين ولا يملكون إلا الانصياع لذلك: 'إني حين أؤدي واجبي كأخ أو زوج أو مواطن، أو حين أنجز العهود التي أبرمتها أقوم بأداء واجبات خارجية حددها العرف والقانون وعلى الرغم من أن هذه الواجبات لا تتعارض مع عواطفي الشخصية، وعلى الرغم من أنني أشعر بحقيقتها شعوراً داخلياً فإن هذه الحقيقة تظل خارجة عن شعوري بها، وذلك لأنني لست أنا الذي ألزمت نفسي بها ولكني تلقيتها عن طريق التربية، وكذلك الأمر فيما يمس العقائد والطقوس الدينية فإن المؤمن يجدها تامة التكوين منذ ولادته، وإنما كانت هذه العقائد أسبق في الوجود من الفرد الذي يدين بها للسبب الآتي: وهو أن لها وجوداً خارجياً بالنسبة إليه... ولا توجد هذه الضروب من السلوك والتفكير خارج شعور الأفراد فقط، بل إنها تمتاز أيضاً بقوة آمرة قاهرة هي السبب في أنها تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد أراد ذلك أم لم يرد' [434] .
3-ثم يصل دور كايم إلى نتيجة خطرة، وهي أن الدين ليس فطرياً ومثله الأخلاق والأسرة، وذلك رأي اقتبسه علماء الاجتماع التالون له وعمموه في أبحاثهم، دون أن يدرك هؤلاء أو بعضهم الدافع التلمودي الهدام لدى دور كايم لأن يقول به: 'إن الناس يفسرون عادة نشأة النظام الأسري بوجود العواطف التي يكنها الآباء للأبناء ويشعر بها الأبناء تجاه الآباء، كما يفسرون نشأة الزواج بالمزايا التي يحققها كل من الزوجين وفروعهما...، وليس الأمر على خلاف ذلك فيما يتعلق بالظواهر الخلقية، فإن الأخلاقيين يتخذون واجبات المرء نحو نفسه أساساً للأخلاق، وكذا الأمر فيما يتعلق بالدين، فإن الناس يرون أنه وليد الخواطر التي تثيرها القوى الطبيعية الكبرى أو بعض الشخصيات الفذة لدى الإنسان... إلخ ولكن ليس من الممكن تطبيق هذه الطريقة على الظواهر الاجتماعية اللهم إلا إذا أردنا تشويه طبيعتها' [435] .
"ومن هذا القبيل أن بعض هؤلاء العلماء يقولون بوجود عاطفة دينية فطرية لدى الإنسان، وأن هذا الأخير مزود بحد أدني من الغيرة الجنسية والبر بالوالدين وصحبة الأبناء وغير ذلك من العواطف، وقد أراد بعضهم تفسير نشأة كل من الدين والزواج والأسرة على هذا النحو ولكن التاريخ [436] يوقفنا على أن هذه النزعات ليست فطرية في الإنسان، وعلى أنها قد لا توجد جملة في بعض الظروف الاجتماعية الخاصة، ولذا فهذه العواطف المثالية نتيجة للحياة الاجتماعية، وليس أساساً لها أضف إلى ذلك أنه لم يقم برهان قط على أن الميل للاجتماع كان غريزة وراثية وجدت لدى الجنس البشري منذ نشأته، وأنه من الطبيعي جداً أن ينظر إلى هذا الميل على أنه نتيجة للحياة الاجتماعية التي تشربت بها نفوسنا على مر العصور" [437] .
هذا هو دور كايم ، وتلك هي دعاواه التلمودية مغلفة بغلاف العلم والبحث، ومع الأسف فمذهبه أكبر المذاهب الاجتماعية الغربية، ورغم كلاسيكيته لا يزال له أثر عظيم في الدراسات المعاصرة. [438]
رابعاً: النظرة الشيوعية للمجتمع والأخلاق:
سبق في فصل الاقتصاد من هذا الباب أن تحدثنا عن المذهب الشيوعي وموقفه من الدين من خلال التفسير المادي للتاريخ، وقد ألمحنا هنالك إلى موقفه من الأخلاق أيضاً، وذلك لأن الشيوعية -كما هو معلوم- تجعل الاقتصاد أساس كل شيء وغايته.
وقد يكون من الضروري هنا التحدث عن النظرة الشيوعية للمجتمع والأخلاق استقلالاً، وإن كانت في واقع النظرية واجهة اقتصادية فحسب:
إن الشيوعية في هدفها لا تختلف عن المدرسة السالفة الذكر فـماركس ودور كايم أخوان في اليهودية ونظيران في التصور التلمودي الذي يطمح إلى نسف عقائد وأخلاق الأميين، ولكن كلاً منهما يسلك طريقاً غير طريق صاحبه، وكأني باليهود يخططون لكي يصلوا إلى هذا الغرض من كل منفذ وبأي سبيل، فهم يرسمون للأميين طرائق شتى ويدعون لها الخيار في أن يسلكوا أياً منها، ولكنها كلها -في الحقيقة- روافد تؤدي إلى الهدف نفسه، تدمير الدين والأخلاق.
فنظير العقل الجمعي العشوائي عند دور كايم يختلق ماركس الحتمية التاريخية العمياء، ذاك يفرض جبرية اجتماعية قاهرة، وهذا يفرض جبرية اقتصادية قاهرة كذلك، ويتفق الإثنان في أن المجتمع (يتطور) وأن الأخلاق كذلك تتطور، وأن لا شيء من القيم والمثل ثابت إطلاقاً، كما يتفقان في النظرة الحيوانية للإنسان فهو إما حيوان اجتماعى أو حيوان اقتصادي، واتفاقهما هنا ليس غريباً بعد أن عرفنا أن الداروينية من أمضى الأسلحة التي استغلها اليهود بمكر ودهاء.
ومعلوم ما تقوله الشيوعية من أن (الدين أفيون الشعوب)، وأنه (الانعكاس الخيالى للأشياء البشرية في دماغ الإنسان) وأنه نابع أصلاً من (أساس اقتصاد سلبي) وأن الإله ما هو إلا (تشخيص للقوى الطبيعية التي تؤثر على طعام الإنسان) إلى آخر هذه السلسلة من الهراء والزيف التي تقوم على الوهم الكاذب والخيال الخاطئ، ولا تعبر عن حقيقة إلا عن العداوة الحاقدة للدين.
إذا عرفنا ذلك فما نظرة الشيوعية إلى المجتمع والأخلاق؟
(يلاحظ بوخارين في كتابه (نظرية المادية التاريخية ) أنه ينبغى دون شك التحرز من جعل الشعور الجمعي حقيقة غيبية، لكن هذا التعبير يشير مع ذلك إلى ظاهرتين يمكن ملاحظتهما دائماً في كل مكان:
1- أن هناك في كل عصر اتجاهاً سائداً في الأفكار والعواطف والحالات النفسية، أي: سيكلوجية سائدة تلون الحياة الاجتماعية بأكملها.
2- إن هذه السيكلوجية السائدة تتغير تبعاً لتغير طابع العصر، ومعنى ذلك في لغتنا أنها تتغير تبعاً لظروف التطور الاجتماعي، ويفسر المؤلف ذلك بأنه في الواقع توجد خصائص سيكلوجية عامة تتصف بها جميع طبقات المجتمع.
(وعلى هذا النحو نجد في النظام الإقطاعي سمات سيكلوجية مشتركة بين السيد النبيل وبين الفلاح مثل: التعلق بالأشياء القديمة والروتين والتقاليد والخضوع للسلطة والخوف من الله والركود الفكري والكراهية لكل جديد... إلخ. وهذا يعود في الوقت نفسه إلى سمة الركود في المجتمع، وإلى أن الفلاح كان تحت النظام الأبوي سيداً وأباً في أسرته كما أن السيد كان سيداً وأباً في ضيعته). [439]
ذلك هو تطبيق قول ماركس : 'إن وجود الناس هو الذي يعين مشاعرهم) وليس العكس، فالمجتمع الإقطاعي ذو البيئة الزراعية مجتمع متدين له تقاليد وفيه أسرة، والمحافظة على العرض فيه خلق أصيل، فإذا تطور المجتمع وأصبح صناعياً واستقلت المرأة اقتصادياً فإن ذلك يستوجب تغيراً حتمياً يساير التغير الاقتصادى والبيئي الحتمي هو الآخر، ومعنى ذلك ألا يظل المجتمع الصناعي محتفظاً بشيء من الدين والأخلاق والتقاليد الزراعية الرجعية، بل يجب أن يستحدث ديناً جديداً وإن كان الإلحاد وأخلاقاً جديدة وإن كانت (النفعية أو المكيافيللية ) وتقاليد جديدة وإن كانت (الدياثة والاختلاط'
ولما كانت الأخلاق مستمدة من الواقع الاقتصادي أساساً أو البيئي على سبيل التعميم، فإن الشيوعية ترى كما أن لكل مرحلة أخلاقها الخاصة فإن لكل بيئة بل لكل طائفة أخلاقها الخاصة أيضاً، وليس هناك من معنى مشترك بين بني الإنسان.
(بأية أخلاق يعظوننا اليوم؟ إنها أولاً الأخلاق الإقطاعية المسيحية الموروثة من إيمان القرون الماضية، وهى بدورها تنقسم أساسياً إلى أخلاق كاثوليكية وأخلاق بروتستانتية ، الأمر الذي لا يمنع انقسامها ثانية إلى أقسام فرعية تذهب من الأخلاق الكاثوليكية واليسوعية ومن الأخلاق البروتستانتية والأرثوذكسية حتى الأخلاق الإنفلاتية، وإلى جانب هذا تقوم الأخلاق البرجوازية الحديثة، ثم من جديد إلى جانب هذه أخلاق المستقبل أخلاق البروليتاريا ).
وإجابة على تساؤل: (ما الصحيح إذن من هذه الأخلاق ولا واحد منها بمعنى مطلق نهائي؟) تجيب الشيوعية : 'لكن الأخلاق التي تحتوي على النصيب الأوفى من العناصر الواعدة بالبقاء هي بالتأكيد الأخلاق التي تمثل في الحاضر، انقلاب الحاضر، تمثل المستقبل، إنها إذن الأخلاق البروليتارية' ثم لكي تصل الشيوعية إلى هدفها المقصود لا مانع من أن تستدل على الدعوى بالدعوى نفسها: 'منذ نرى لكل من طبقات المجتمع الحديث الثلاث: الارستقراطية الإقطاعية، والبرجوازية والبروليتارية أخلاقها الخاصة، فليس يمكن إلا أن نستنتج من هذا أن الناس -عن وعي أو لا وعي- يستمدون مفاهيمهم الأخلاقية في التحليل الأخير من العلاقات العملية التي يقوم عليها وضعهم الطبقي، أي: من العلاقات الاقتصادية التي ينتجون بها ويتبادلون فيها' .
ثم تمثل الفلسفة الشيوعية لذلك: (منذ اللحظة التي تطورت فيها الملكية الخاصة للأشياء المنقولة، كان لابد لجميع المجتمعات التي تسود فيها هذه الملكية الخاصة أن يكون فيها هذه الوصية الأخلاقية المشتركة: لا تسرق فهل يعني هذا أن تصبح هذه الوصية وصية أخلاقية سرمدية؟
كلاً أبداً، ففي مجتمع أزيلت فيه دوافع السرقة، حيث السرقات بالتالي لا يمكن أن يرتكبها مع مرور الزمن غير مجانين، كم سيضحك الناس من الواعظ الأخلاقى أن يعلن على رءوس الأشهاد الحقيقة السرمدية: لا تسرق!
ولهذا فإننا نرفض بكل اطمئنان أن تفرض علينا أية عقائدية أخلاقية كقانون سرمدي نهائي لا يتزعزع بعد اليوم، بذريعة أن لعالم الأخلاق هو أيضاً مبادئه الدائمة التي هي فوق التاريخ والفوارق القومية ). [440]
ومن هذا المنطلق تبنت الشيوعية المذهب المكيافيللي نظرياً وعملياً -كما مر في فصل السياسة- وقد أتى (أكناز يوسيلوني ) بمثال على ذلك له مغزاه العميق: كان سيلوني باعتباره عضواً بارزاً في الحزب الشيوعي الإيطالى يشارك في جلسات الشيوعية الدولية، وهو يحدثنا: أنه في أحد الاجتماعات نشب خلاف حول تطبيق قرار أصدرته اللجنة المركزية، وقد أبدى بعض الأعضاء وجهة نظر مخالفة تجاه القرار ظهر أنها معقولة، فما كان من المندوب الروسي إلا أن قال: (على جميع الفروع أن تعلن أنها تخضع للقرار الذي صدر ثم تتصرف على عكس ذلك تماماً)، فقام المندوب الإنكليزى مقاطعاً (ولكن هذا يعتبر كذباً) يقول سيلوني : (وقد قوبل ذلك الاعتراض النزيه بعاصفة من الضحك الصادق الصادر من القلب والذى لا أحسب مكاتب الشيوعية الدولية الكئيبة قد سمعت مثله من قبل، وقد ذاعت هذه (النكتة) سريعاً في طول موسكو وعرضها، إذ أن إجابة الإنكليزي التي لا تصدق لم تلبث أن نقلت بالهاتف إلى استالين وكبار الموظفين في روسيا ، وكانت تثير في كل مكان عاصفة من الانبساط والضحك). [441] .
هذا وسنرى -إن شاء الله- بعض الواقع الأخلاقي الشيوعي إن كان لدى الشيوعية شيء اسمه أخلاق.
خامساً: النظرية العضوية والنفعيون:
من بين النظريات الاجتماعية الكبرى تبرز النظرية العضوية التي يعد (هربرت سبنسر ) ألمع ممثليها. [442] ومن بين النظريات الأخلاقية (النظرية النفعية) التي حمل لواءها (بنتام ) و(آدم سمث ) و(جون ستيوارت مل ) ويمثلها في هذا القرن (برتراند رسل ).
ويصح لنا أن ننظر إلى هاتين النظريتين ونعالجهما على أساس أنهما يمثلان اتجاهاً واحداً، فبالإضافة إلى اتفاقهما في البيئة (إنجلترا ) فهما تتقاربان أو تتحدان في النظر إلى الدين والأخلاق وهي الزاوية التي نعالج موضوعنا من خلالها، كما أنهما يستمدان مفهوماتهما عن الإنسان والمجتمع من نظرية التطور، لا سيما النظرية الأولى التي يبدو هذا الاستمداد واضحاً في مسماها نفسه.
أما هربرت سبنسر فيرى أن (الأديان تخضع لقانون التطور كما تخضع جميع الظواهر الأخرى) ويأتي بتفسير خاص لنشأة الدين يتحدث عنه (بوترو ) قائلاً: 'إن نقطة البداية في الأديان تبعاً للترتيب التاريخي هي الواقعة الأولية التي تتعدد فينتج عنها صور مختلفة لا نهاية لها، ليست شيئاً آخر سوى ما يسميه سبنسر بالقرين (Double) فالإنسان يرى في صفحة الماء صورته أو قرينه، وكذلك يرى نفسه في الرؤيا كما يرى فيها صورة غيره من الناس... وفي الإنسان نزعة طبيعية تميل به إلى الاعتقاد أن القرين لا يتلاشى، كل ما في الأمر أنه ينصرف ولعله يظهر مرة أخرى في حلم مستقبل حتى إذا حانت منية المرء سهل عليه الاعتقاد بأن هذه الأنا الغامضة لا تزال باقية، وأنها تظل كثيراً وقليلاً شبيهة بنفسه، فهي إذن تشبه شبهاً بعيداً أو قريباً ذلك الكائن المرئي الذي كان قرينه، ومن هنا نشأ الاعتقاد في الأرواح والكائنات الفائقة على الطبيعة وفي قوتها وتأثيرها في حياة الإنسان.
وهذا هو الأصل التاريخي للأديان في نظر هربرت سبنسر ، والذي يلتقي فيه مع الأبيقورية ثم تفرع عن هذا الاعتقاد المعتقدات والطقوس والنظم الكهنوتية'
(ولكل كائن واقعي قرينه الذي يمكن أن يعتبر روحاً وقد احتشدت الأرواح الدنيا على مر الزمن تحت سلطان الأرواح العليا التي سميت بالآلهة ثم انتهت هذه الآلهة ذاتها إلى الخضوع لإله واحد، وقد سعى الإنسان إلى تمثيل هذه القوى الفائقة على الطبيعة وإلى جعلها قريبة ومحبوبة منه فنشأت من هذه الرغبة الخرافات الدينية أو (الميثولوجيا) الرقى والعبادات والنظم التي نمت حسب قانون التطور ذاته إلى الحد الذي لم تعد تحتفظ فيه لنفسها أحياناً إلا بآثار ضعيفة جداً من أصلها.
(وإذ فقدت هذه النظم بعد التطور الشديد لاعتقادات الناس اعتمادها على هدفها الأول، فقد ظلت قائمة كرابطة اجتماعية وهى صفة بالغة الأهمية خلعها التطور على هذه النظم وأصبحت الأديان من الآن فصاعداً تمثل استمرار الجماعات، ولذلك كان للأفراد مصلحة عظمى في احترامها. [443]
هكذا أجهد سبنسر خياله في اختلاق جذور بعيدة وأصول وهمية للدين، كما فعل كونت ودور كايم وماركس ليصل إلى النتيجة الأخيرة وهي أن الأديان رابطة اجتماعية مصلحية، وعلى هذه النتيجة مدار المذهب الأخلاقى النفعي، فالواقع أنه لم يزد على أنه أعطى هذا المذهب قوة جديدة، ولنأخذ (برتراند رسل ) نموذجاً لهذا المذهب لأنه لا يعبر عن المدرسة النفعية التي ابتدأها بنتام فحسب بل يتحدث عن الواقع العملي لهذا المذهب الذي يسيطر على الحياة الغربية.
يقول رسل : 'فصل الأخلاق عن اللاهوت أصعب من الفصل المماثل الذي حدث في حالة العلم... فالعديد من المفاهيم الأخلاقية التقليدية يصعب تفسيره بل وكثير منها يصعب تبريره إلا على أساس من افتراض وجود إله أو روح عالمي (أو على الأقل هدف كوني ثابت)، (وأنا لا أقول: إن هذه التفسيرات والتبريرات مستحيلة دون أساس ديني، ولكن أقول: بأنها بدون مثل هذا الأساس تفقد قدرتها على الإقناع وقوة الإرغام السيكولوجي، وقد كانت إحدى الحجج التي يفضلها المتمسكون بالدين دائماً أنه بدون الدين يصير الناس أشراراً، وقد أنكر مفكرو القرن التاسع عشر الأحرار في بريطانيا من بنتام إلى هنري سيد جوبك هذه الحجة إنكاراً شديداً'
(إن موضوع إمكان استقلال الأخلاق على أية صورة اجتماعية مناسبة عن الدين يجب إعادة بحثه بأكمله [444] وقد قام رسل فعلاً بذلك فوصل إلى نتيجة مفادها أن الدين ليس مصدر الأخلاق، بل إن الأخلاق قد مرت بثلاث مراحل من التطور:
1- أخلاق المحظور (تابو) أي المحرم.
2- أخلاق الطاعة الإلهية.
3- الأخلاق الحديثة، وهى أخلاق نفعية عقلية.
يقول رسل في تفصيل ذلك:
(توجد المعتقدات والمشاعر الأخلاقية في جميع المجتمعات الإنسانية المعروفة حتى أكثرها بدائية... وبعض هذه المعتقدات مما يمكن الدفاع عنه على أسس عقلية، بيد أن الغالبية الساحقة من المعتقدات في المجتمعات البدائية خرافية بحتة).
(والمحظور (تابو) هو أحد المصادر الرئيسية للأخلاق البدائية، فهناك بعض الأشياء خاصة تلك التي تخص رئيس القبيلة تحمل في طياتها المنع وإذا لمستها تموت، وأشياء أخرى بذاتها مكرسة للروح ويجب ألا يستعملها سوى ساحر القبيلة، وبعض الأطعمة مشروعة وبعضها غير مشروع، وبعض الأفراد يعتبرون قذرين حتى يتطهروا، وينطبق ذلك خاصة على مثل أولئك الذين تلوثهم بعض الدماء، فلا يقتصر الأمر على من ارتكبوا جريمة القتل، بل إنه ينطبق على النساء أثناء الولادة ودورات الطمث) (سفر اللاويين: 15، 19، 29)، وتظل صور الفضيلة التي أساسها (المحظور) باقية في المجتمعات المتمدينة مدىً أكبر مما تدرك الناس، فقد حرم فيثاغورس أكل البقول، وكان أمبيذ كلس يعتقد أن مضغ أوراق الغار فيه خطيئة، ويرتجف الهندوكيون من مجرد فكرة أكل لحم البقر بينما يعتبر المسلمون واليهود المتمسكون بالدين الخنزير غير طاهر، وفي سنة (1916م) أرسل أحد رجال الدين من سكوتلانده كتاباً إلى الصحف يعزو عدم نجاحنا في الحرب ضد الألمان، إلى أن الحكومة شجعت زراعة البطاطس في أيام الأحاد وجميع هذه الآراء لا يمكن تبريرها إلا على أساس المحظور.
(وانتشار القوانين التي تحرم صوراً مختلفة من الزواج بين أفراد العشيرة هو مثل من خير الأمثلة على المحظور، فالقبيلة تقسم -أحياناً- إلى مجموعات، وعلى الرجل أن يتخذ زوجته من مجموعة أخرى غير مجموعته، وتحرم الكنيسة الأرثوذكسية زواج آباء الطفل الواحد في العماد، ولم يكن الرجل يستطيع إلى عهد قريب في إنجلترا أن يتزوج أخت زوجته المتوفاة.
ومثل هذه الزيجات لا يمكن تبريرها على أساس أن الزيجات المحرمة تتضمن أي ضرر، ولا سبيل إلى الدفاع عنها إلا على أساس من المحظورات القديمة.
"بل وأكثر من ذلك أن صور الزواج من المحارم التي لم يزل معظمنا يعتبرها مما لا يتفق والشرع، يستفظعها معظم الناس إلى حد لا يتناسب مع الضرر الذي ينجم عنها، ويجب أن نعتبر ذلك أثراً من آثار المحظور الذي كان موجوداً قبل التبرير العقلي" . [445]
وقارن مثلاً بين النفور المشمئز من زواج المحارم والتحريم الهادئ لجرائم مثل التزوير التي لا يدخل فيها عنصر الخرافة؛ لأن المتوحشين لا يستطيعون ارتكابها. [446]
ثم ينتقل رسل إلى الحديث عن المرحلة الثانية: 'كلما بدأ الناس يتقدمون في المدينة قل قبولهم لمجرد المحظورات، فأحلوا محلها الأوامر والنواهي الإلهية، فالأوامر العشرة تبدأ' ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلاً:
"ونجد في التوراة من أولها إلى آخرها أن الرب هو الذي يتكلم... ".
وهكذا تصبح الطاعة جوهر الأخلاق، والطاعة الأساسية هي طاعة المشيئة الإلهية، بيد أن هناك صوراً أخرى عديدة من الطاعة تستمد شرعيتها من أن ألوان عدم المساواة الاجتماعية مصدرها مشيئة الله، فالرعايا تجب عليهم طاعة الملك؛ والعبيد طاعة سادتهم، والزوجات طاعة أزواجهن، والأبناء طاعة آبائهم. [447]
أما المرحلة الثالثة فيرى رسل أن لها أساساً قديما أيضاً ولكن لم يعظم شأنها إلا في العصر الحديث: 'ولقد كان هناك من أول الأمر أساس مختلف للمشاعر والقواعد الأخلاقية، وهو مبدأ الأخذ والعطاء أو التراضي الاجتماعي. ولا يعتمد هذا كما هو الحال في النظم الأخلاقية الأخرى.. على الخرافة ولا على الدين، إنه ينبعث بصفة عامة عن الرغبة في حياة هادئة. فعندما أريد شيئاً من البطاطس مثلاً فإني قد أتسلل ليلاً وأستولي على بعض منه في حقل جاري، وجاري قد ينتقم بأن يسرق الفاكهة من شجر تفاحي...، وفي النهاية سنرى أن الأمر سيكون أقل إزعاجاً وأكثر راحة لو أن كلاً منا احترم مال الآخر' .
بالرغم من أن نظاماً مثل هذا قد تساعده المحظورات أو الشرائع الدينية، إلا أنه يستطيع أن يظل قائماً حتى بعد انهيارها، حيث إنه يتضمن على الأقل من ناحية النوايا مزايا للجميع، ومع تقدم المدنية عظم الدور الذي يلعبه هذا النظام باطراد في التشريع والحكم والأخلاق الخاصة، ولكنه لم ينجح في الإيحاء بذلك الإحساس العميق من الاستفظاع أو التوقير المتصل بالدين أو المحظور. [448] ولعل هذا الاستدراك من رسل (بالإضافة إلى التراضي الاجتماعي، والحياة الهادئة التي تسود الغرب اليوم!!)، يكفي لبيان قيمة العنصر الإيماني في الأخلاق.
سادساً: الدراسات النفسية الحديثة:
يرى بعض الباحثين أن علم النفس المعاصر هو أحدث العلوم جميعاً؛ لأنه آخر علم استقل عن الدين والفلسفة، ويعزون ولادة هذا العلم إلى ثلاثة عوامل برزت في منتصف القرن الماضي:
أولها: المنجزات الجديدة في الطبيعيات، وعلم وظائف الأعضاء.
والثاني: شارلس داروين الذي قدم عرضاً لآرائه عن علم الحياة التطوري الحديث...، وألف كتاباً بعنوان: التعبير عن الانفعالات عند الإنسان والحيوانات ..
والثالث: أبحاث التجريبيين الذين أسسوا لأول مرة معامل الدراسات النفسية الحديثة. [449]
وأشهر المدارس النفسية المعاصرة على المستويين النظري والتطبيقي - لا سيما من جهة صلتها بموضوع الأخلاق - مدرستان:
الأولى: المدرسة السلوكية: (Behaviourism).
يرى هاري ويلز أن قيام علم نفس مادي يناهض الأفكار الرجعية والمثالية كان يفتقر إلى حلقة مفقودة هي ما أسماه الميكانزم المادي الذي يمكنه أن يفسر لنا كيف نتج الوعي بالطبيعة، وكيف يعكس الوعي الواقع.
ويقول: 'لقد ظلت المادية تعاني ضعفاً ما منذ أن كانت تفتقد هذه الحلقة -أي: منذ كان الميكانزم العصبي مجهولاً، واستغل المثاليون هذا الضعف واستفاد منه الرجعيون لنشر الجهل وتشويش الفكر وخلق أساطير عن الطبيعة البشرية'[450] .
والباحث الذي استطاع أن يسد هذه الثغرة هو بافلوف بنظريته عن الأفعال المنعكسة الشرطية، والمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه المدرسة السلوكية هو حيوانية الإنسان وماديته، وذلك نتيجة لإيمانها الأعمى بنظرية داروين ، وهو إيمان يبدو جلياً سواء في كتابات بافلوف أو في تجاربه العملية، فقد كانت إحدى المشاكل الكبرى التي يتوهم بافلوف أنه وضع لها العلاج الناجح هي مشكلة نشأة الوعي وتطوره في النوع الإنساني منذ أن كان قرداً إلى أن أصبح إنساناً.
ويقول أيضاً: 'اكتسب عالم الحيوان في مسيرة تطوره حتى بلغ مرحلة الإنسان إضافة فريدة مكملة لميكانزم النشاط العصبي'[451] ، ويعني بذلك النظم الإشاري.
أما خلاصتها الفكرية فتتمثل في إنكار الروح وإنكار استقلالية العقل، والإيمان بالجسد وحده، واعتبار السلوك البشري بأكمله أفعالاً شرطية منعكسة لا غير أي: أن السلوكية تدعم النظرية الماركسية القائلة أن واقع الناس هو الذي يعين مشاعرهم، وتسند نظرية أنجلز في أن العمل هو الذي خلق الإنسان أي طوره عن القردة، ومن هنا أطلق عليها الفيلسوف جود اسم المادية الحديثة، [452]
وعن ذلك يتحدث هاري ويلز قائلاً: 'ونظرية بافلوف عن نظام الكلام وهو نظام قاصر على الإنسان وحده، هي النظرية التي تملأ الثغرة التي أشار إليها أنجلز في كتابه عن الانتقال من مرحلة القردة إلى الإنسان' .
وهكذا نجد أن نظرية بافلوف عن العمليات العصبية الراقية إذ تملأ تلك الثغرة في المعرفة البشرية إنما تقدم إسهاماً جليلاً للمادية، فهي تزودنا بالحلقة الأخيرة في البرهان على صدق القضية المادية الأساسية القائلة بأن الوعي أو العقل البشري ثانوي بالنسبة للمادة ومشتق منها...، ولهذا السبب نفسه تلقت المثالية ضربة ساحقة وإن لم تكن القاضية والأخيرة؛ وهي المذهب القائل بأن المادة ثانوية للنشاط العقلي ومشتقة منه. [453]
إن علم دراسة النشاط العصبي الراقي هو خطوة جديدة تؤكد وتعمق نظرية المعرفة المادية القائلة بأن الوعي والمعرفة انعكاس للواقع وأن الحق تطابق معه، وفي هذا يقول لينين : يعكس الوعي الوجود بوجه عام، وهذا هو مجمل موقف كل المذاهب المادية، والاحساسات هي المواد الأولية التي يستخرج منها الفكر والعلم التجريبيان الحقائق والقوانين التي تعكس الطبيعة وحركة العالم الخارجي، وحجر الزاوية لأي نظرية مادية في المعرفة هو القول بأن الاحساسات صور للواقع، إنها منبهات صادرة عن الموضوعات الخارجية، ولهذا يقول لينين : إن كل مفكر مادي يرى أن الإحساس ليس سوى رابطة مباشرة تربط العقل بالعالم الخارجي، إنه تحول لطاقة الإثارة الخارجية إلى حالة ذهنية، ويتم تحول هذه الطاقة من خلال الجهاز العصبي، وهو ما اكتشفه بافلوف وعبر عنه في صورة الميكانزمات المترابطة التي تربط بين النظامين الكلامي والحسي. [454]
ذلك بإجمال هو مضمون النظرية السلوكية عن الإنسان وتفسيرها لتصرفاته، وقد كان لها مع فكرها المادي نظرياً أسوأ الأثر في التطبيق الواقعي، فقد استغلها الهدامون لنفي الفطرة وإنكار القيم الخلقية المجردة، كما أن طواغيت السياسة عرفوا كيف يستخدمون تجاربها على الشعوب بدلاً من الكلاب مثلما استخدموا قانون الانتخاب الطبيعي من قبل، وقد فصل العلامة مالك بن نبي الحديث عن ذلك مؤيداً بالشواهد الواقعية. [455]
والواقع أن بافلوف لم يكن الأول في القائلين بنظرية الفعل المنعكس الشرطي، ولا هو أول السلوكيين، فقد سبقه إلى النظرية أستاذه ستشينوف الذي ألف كتاباً أسماه: الأفعال المنعكسة للمخ سنة 1866، ولكن ظروف ما قبل الثورة الشيوعية كانت متحفظة تجاه الفكر الهدام، ولذلك فإن لجنة الرقابة في بطرسبرج شمت من الكتاب رائحة التآمر والإفساد، وناشدت النائب العام لاتخاذ آراء ضد كتاب الأستاذ أ. م. ستشينوف المادي المتطرف على أساس أنه يقوظ دعائم الأخلاق في المجتمع.
لقد صاغ السيد ستيشنوف نظريته في ثوب رسالة علمية، بيد أن أسلوبها أبعد ما يكون عن الصيغة العلمية؛ ذلك لأنه كتبها بأسلوب يسهل على القارئ العادي أن يفهمه، وتؤكد لنا هذه الحقيقة فضلاً عن رخص سعر الكتاب أن المؤلف يقصد عامداً أن تكون نظريته سهلة التناول لأكبر عدد من القراء، ويلزم عن هذا أن كتاب السيد ستشينوف الأفعال المنعكسة للمخ مقصود به إفساد الأخلاق، فهو خارج عن القانون إذ يمثل خطورة على ضعاف العقيدة من الناس، ومن ثم تجب مصادرته وإعدامه. [456]
ذلك ما تعرض له الأستاذ، أما التلميذ بافلوف ؛ فقد كانت حكومة استالين تقيم له المهرجانات، وظل محط التكريم والتعزيز حتى وفاته سنة (1936م) ولا غرابة في ذلك. [457]
الثانية -مدرسة التحليل النفسي: (Psychoanalysis)
بافلوف وفرويد متعاصران، وبينهما أوجه شبه لا سيما في النتائج والمقاصد التي وصل كل منهما إليهما، إلا أن الخلاف بينهما - في المنهج - عميق؛ ذلك أن بافلوف انطلق من الشعور في حين أن فرويد انطلق من اللاشعور، واعتمد بافلوف على تجارب موضوعية بينما اعتمد فرويد على تصورات ذاتية وتحليلات خاصة.
ومؤلفات فرويد جميعها تعبر عن يهوديته أكثر مما تعبر عن منهجه العلمي إن كان له علم أو منهج! وهذه اليهودية تظهر جلية في التدنيس والتلويث المتعمدين للجنس البشري، وهي ظاهرة بارزة في التوراة المحرفة، [458] كما تتجلى في الإفساد المتعمد للأخلاق والتآمر الخبيث على القيم الإنسانية وهما مضمون وفحوى التلمود . [459]
ويكفي للدلالة على ذلك موقف فرويد من المسيح -عليه السلام- "أقدس شخصية لدى أوروبا النصرانية "، كان التلمود يصف المسيح عليه السلام بأقذع النعوت وأشنع الألقاب، ولكن الكنيسة كانت تلاحقه في كل مكان بالحرق والمصادرة مما اضطر الحاخامات إلى ترك مكان العبارات التي تذكر المسيح عليه السلام خالية، ووضع مربعات فارغة محلها أو الإيماء إليه من طرف خفي. [460]
غير أن فرويد استطاع بذكائه الخبيث، وتمسحه بالعلم، أن يثأر للتلمود؛ فجاء بتلك العبارات بنصها، وأقذع منها ونشرها علانية في محاضراته وكتبه وهو آمن من أن تمسه يد سوء [461] وقس على ذلك موقفه من الدين والأخلاق.
وهذا يقودنا إلى معرفة مدى التفسخ الذي وصلت إليه البيئة الأوروبية والانهيار الديني والخلقي الذي اجتاحها؛ فكانت بيئة ملائمة لتفريخ أفكار فرويد وتقبلها مما دفعها إلى تفسخ أعظم.
فالفكر المادي تغلغل في النفوس، والنزعة الحيوانية المنفلتة أصبحت هي الصبغة العامة للحياة، والثورة الصناعية وما صاحبها من تغيير في البنية الاجتماعية وتفكك في الحياة الأسرية، هيأت -جميعها- الجو للهدم الأخلاقي والعقائدي، ثم كانت الحروب الإقليمية والعالمية (الأولى) فقوضت دعائم المجتمع الأوروبي، وأفقدته الثقة في كل مبادئه ومعتقداته، ونشرأوديبت الرعب والذعر في القلوب وحطمت كل الأعراف والقوانين والأخلاقيات.
وصحب ذلك إسفاف مريع وهبوط شائن في الأدب والفن يسرته وعممته دور السينما وكتب الجنس وقصصه ولوحاته.
يضاف إلى ذلك ما كان يعتلج دوماً في النفسية الأوروبية من حقد عارم على الكنيسة، وتحفز دائب للانتقام منها، وشعور لا ينفك بالنقص والذنب، وهو ما أورثته الرهبانية لها، كل هذه الأمور هيأت الجو الملائم للهدامين التلموديين لإطفاء الجذوة الباقية، ونهش المزعة الأخيرة من جسد الخلق والفضيلة.
وقد عرفنا دورهم في الثورة الفرنسية، ثم في قيام الرأسمالية وتعرضنا لاستغلالهم للداروينية ، ثم عرضنا لـماركس ودور كايم وأفكارهما الهدامة، والآن يصل بنا البحث والزمن التاريخي إلى ثالث الثلاثة فرويد ، وهو أكثرهم جرأة وأصرحهم إسفافاً، والحق أنه لم يفت بعض الباحثين الغربيين أن يدركوا الدوافع والمنطلقات الخفية للفكر الفرويدي بإرجاعها إلى يهوديته وتطبيق نظريته على نفسه، وقد قال بعضهم: 'من المؤكد أن مفهوم الأنا العليا يجد مصدره في ديانة فرويد الأولى اليهودية إن هذه الأنا العليا هي القانون المتبطن بدءاً من الشخصية الرئيسية الإلهية باعتبارها أباً أو من شخصية موسى باعتبارها أباً ووسيطاً معاً' [462] .
ولكن هذا الإدراك لا حول له ولا طول أمام الانتشار الفظيع للفرويدية الذي جاء كما لو كانت كشفاً علمياً مذهلاً، ويقع عبء ذلك على عاتق الصحافة الغربية التي تعمل دائماً تحت تأثير المذهب اليهودي وبوحي من المرابين اليهود.
تبدأ نظرية فرويد من زعمه بأنه اكتشف المدخل الوحيد والسليم لدراسة النفس البشرية والحكم على سلوكها وهو عقدة أوديب، ويعتقد فرويد أنه اكتشاف عظيم حقاً: 'يحق لي أن أقول إنه لو لم يكن للتحليل النفسي إلا فخر اكتشاف عقدة أوديب المكبوتة لكان ذلك خليقا بأن ينظمه في عداد أثمن ما كسب الجنس الإنساني حديثاً' [463] .
فأي شيء يا ترى عقدة أوديب هذه الجديرة بهذا التهويل؟!
يقول فرويد في بيانها: ( يبدأ الولد الصغير في سن مبكرة يشعر بالحب نحو أمه، وهو حب كان في الأصل متعلقاً بثدي الأم، كما أنه أول حالة من حالات حب الموضوع [464] تنشأ على صورة الاعتماد على الأم، أما فيما يتعلق بالأب فإن الولد يقوم بتقمص شخصيته وتبقى هاتان العلاقتان جنباً إلى جنب لفترة من الوقت، ثم تأخذ الرغبات الجنسية المتجهة نحو الأم تزداد في الشدة، ويأخذ الأب يبدو كأنه يعوق تحقيق هذه الرغبات، وعن ذلك تنشأ عقدة أوديب، ثم يأخذ تقمص شخصية الأب بعد ذلك يتخذ صفة عدائية، ويتحول إلى رغبة في التخلص من الأب لكي يأخذ مكانه من الأم، وتصبح علاقته الوجدانية مع الأب منذ هذه اللحظة متناقضة).
ويبدو كأنما هذا التناقض الوجداني- وهو أمر طبيعي في التقمص منذ البداية- قد أصبح الآن واضحاً، ويتكون من موقف التناقض الوجداني نحو الأب؛ وعلاقة الحب الشديدة نحو الأم مضمون عقدة أوديب الإيجابية البسيطة عند الولد.
وبزوال عقدة أوديب يصبح من الواجب الإقلاع عن حب الأم، وقد يملأ مكانها بأحد أمرين: إما بتقمص شخصية الأم، وإما بتقمص شخصية الأب بدرجة شديدة، وترجع عقدة أوديب الكاملة إلى الثنائية الجنسية الموجودة في الأصل عند الأطفال، ومعنى هذا أن الولد لا يقف -فقط- موقف التناقض الوجداني مع أبيه وموقف المحب مع أمه، وإنما هو يسلك أيضاً في نفس الوقت سلوك البنت، ويبدي ميلاً أنثوياً عاطفياً نحو أبيه، كما يبدي اتجاه العداء نحو أمه والغيرة منها. [465]
وإذا سمع أحدٌ هذا الكلام وتناوله على أساس أنه صادر من إنسان جاد يعي ما يقول فإن من بين الأسئلة التي يثيرها يبرز سؤال عن إمكان وجود شعور جنسي لدى الأطفال؟، ولا يدع فرويد هذا السؤال بلا جواب، بل يفصل القول في ذلك معتمداً على الخيال اليهودي الدنس: الحياة الجنسية لا تبدأ أولاً عند البلوغ، وإنما تبتدي عقب الميلاد بمظاهر واضحة، فنشاهد في عهد الطفولة المبكر علامات للنشاط الجنسي لا يمكن أن ينكر عليها صفة الجنسية إلا الرأي المغرض القديم!!
وهذه عند فرويد هي المرحلة الجنسية الأولى، ويتبعها فترة كمون لا تبدو فيها آثار النشاط الجنسي، أما الثالثة فهي مرحلة البلوغ.
ويعلق فرويد على ذلك مستنتجاً: (وهذا يؤدي بنا إلى حقيقة هامة، وهي أن الحياة الجنسية ترد على دورتين، وهو ما لا نجده إلا عند الإنسان ولا شك أن له أثرا بالغ الأهمية في تكوينه، أما الدليل العلمي على ذلك فيعتقد فرويد أنه الفرض القائل بأن الإنسان انحدر عن حيوان ثديي كان يبلغ النضج الجسمي في سن الخامسة.
وهذا الدليل العلمي(!) لا يزودنا فرويد بأية معلومات عنه، ولا يخبرنا عن مصدره التاريخي العلمي.
ولعله اعتمد على موجة رواج فرضية داروين التي بدأ فرويد أبحاثه في عنفوان شبابها، وكانت شهرتها الطاغية المدبرة تقطع أي تساؤل يثار حولها.
وعلى أي حال فإن فرويد يشرح ذلك كما لو كان حقيقة علمية ثابتة فعلاً فيقول: أول عضو يظهر بوصفه منطقة شهوية تعرض مطالبتها اللبيدية [466] على النفس هي الضم منذ الميلاد، فإلحاح الطفل في المص وتشبثه به في مرحلة مبكرة ينم بوضوح عن حاجة إلى الإشباع... يمكن بل يجب أن توصف بأنها جنسية ).
أما المرحلة الثانية فهي المرحلة السادية الشرجية؛ لأن الإشباع فيها يطلب في العدوان وفي وظيفة الإخراج.
و المرحلة الثالثة نسميها المرحلة القضيبية...، ومع المرحلة القضيبية وفي خلالها تبلغ الجنسية الطفلية الأولى ذروتها وتقترب من اضمحلالها، ومن الآن فصاعدا تختلف مصائر الصبيان والبنات، فيدخل الصبي الطور الأوديبـي ويأخذ يعبث بقضيبه عبثاً تصحبه أخيلة أن يزاول نوعاً من النشاط الجنسي ذا صلة بأمه.... [467]
وإلى الآن فإن غرض فرويد من هذه الفرضيات والأوهام القذرة ما يزال غير واضح تماماً، لكنه يأخذ في إيضاحه بإضافة فرض آخر ناشئ من عقدة أوديب هو ما أسماه الأنا المثالي : فالأنا المثالي هو إذن وريث عقدة أوديب؛ ولذلك فهو أيضاً نتيجة أقوى الدوافع وأهم التقلبات التي مرت باللبيدو في الهو [468] .
وبتكون هذا الأنا المثالي يقوم الأنا بالتغلب على عقدة أوديب، كما يقوم في نفس الوقت بوضع نفسه تحت سلطة الهو '[469] .
وإذ قد وصلت السلسلة الوهمية إلى هذا الحد يبدأ فرويد في الإفصاح عن مرماه البعيد: 'من السهل أن نبين أن الأنا المثالي إنما يكون من جميع الوجوه ما ينتظر من طبيعة الإنسان السامية، ومن حيث أنه بديل لشوقه نحو الأب فهو يحوي على الأصل الذي منه نشأت جميع الأديان، وأن حكم النفس بأن الأنا قد فشل في تحقيق ما هو مثالي عنده إنما يحدث بالإحساس بعدم الجدارة؛ وهو الإحساس الذي يثبت به المتدين شوقه، وعندما يكبر الطفل تنتقل سلطة الأب إلى المدرسين وإلى الأشخاص الآخرين ذوي النفوذ، وتظل سلطة أوامرهم ونواهيهم باقية في الأنا المثالي،وهي تستمر تزاول رقابتها على الأخلاق في صورة الضمير' . 'إن الدين والأخلاق والشعور الاجتماعي - وهي العناصر الأساسية لما هو أسمى في الإنسان - إنما كانت في الأصل شيئاً واحداً، وقد اكتسبت هذه الأشياء تبعاً للفرض الذي وضعته في كتاب الطوطم والمحرم عن عقدة الأدب أثناء نشوء النوع الإنساني، فاكتسب الدين والوازع الخلقي عن العملية الحقيقية للتغلب على عقدة أوديب نفسها...'[470] .
وقبل أن نتعجل ونقول: إن هذا الهراء المتعمد لا دليل عليه ولا غرض له إلا الانتقام المتعمد من الأميين بتلويث دينهم وأخلاقهم، فإن علينا أن نبحث عن الغرض الذي ذكره فرويد عن الإنسانية في مرحلتها الأولى، فلعل فيه شيئاً من العلمية أو قل: شيئاً من النظافة.
قرأ فرويد لـداروين أنه في عالم البقر تتجه الثيران الفتية للحصول على البقرة الأم، فتجد أباها عائقاً في الطريق فتتجه كلها نحوه لتقتله فإذا فرغت من ذلك عادت فأصطرعت فيما بينها حتى يتغلب أحدها -وهو أقواها- فيفوز وحده بالأم، ويصبح هو السيد الجديد.
ونقل فرويد بخياله الجانح هذه القصة من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان ليبني عليها فرضه المزعوم، فهو يذكر في كتابه الطوطم والمحرم أن الأبناء في مطلع البشرية اتجهوا نحو أمهم بدافع الجنس، وإذ رأوا أباهم يحول دون ذلك قتلوه وبعدها أحسوا بالندم على قتله، وعمدوا إلى تقديس ذكراه فعبدوه، وبذلك نشأت العبادة البشرية الأولى عبادة الأب، ثم تحولت إلى عبادة الطوطم وهو الحيوان الذي اعتقد الأبناء أن له صلة بالأب، وكان تحريم أكل الطوطم أحد المحرمين الكبيرين لدى البدائيين، أما المحرم الثاني فهو الزواج من المحارم، وأصله أن هؤلاء الأبناء رأوا أنهم سيتقاتلون من أجل الحصول على الأم، فاتفقوا على تحريمها على الجميع، ومن ذلك نشأ أول تحريم جنسي وظلت البشرية تحرم الزواج منها، ثم انتقل إلى سائر المحارم. [471]
يقول فلوجيل : كان أكثر تطبيقات علم النفس على الأنثربولوجيا إثارة هو بلا شك موقف فرويد الطوطم والمحرم ... وقد حاول فرويد في تطبيقه لتلك الأفكار على الطوطمية أن يشرح أحد المحرمين الكبيرين للمجتمع الطوطمي وهما تحريم أكل الحيوان الطوطم وتحريم الزواج الداخلي، فأرجعهما إلى جانبي مركب أوديب : الرغبة في قتل الأب والزواج من الأم، وبهذا الشكل يبدو عيد الطوطم ومشتقاته...، بما في ذلك تناول الخبز المقدس في الكنيسة المسيحية ضاربة الجذور في اتجاه الرجل البدائي المتناقض وجدانياً [472] أي: بين محبة الأب من ناحية والرغبة في قتله للحصول على الأم من ناحية.
وبهذا يتضح تهافت الأسس التي قامت عليها الفرويدية ، أما أثرها الهدام فسيأتي بيانه قريباً.
الحواشي
417. تاريخ علم الاجتماع. جاستون بوتول: 24، 25.
418. المصدر السابق: 30.
419. الانتربولوجيا الاجتماعية: إدوارد إيفانز: 34 فما بعدها مقتطفات.
420. تاريخ الفلسفة الحديثة/ يوسف كرم: 195.
421. المصدر السابق: 196 - 198.
422. والأولى هي نظرية كوبر نيق، والثالثة نظرية داروين.
423. تكوين العقل الحديث: 1/ 528.
424. الفلسفة أنواعها ومشكلاتها: 293.
425. المصدر السابق: 292.
426. المصدر السابق: 293 - 264.
427. انظر سلسلة تراث الإنسانية: 2/5 والعلم والدين: بورتو: 42.
428. العلم والدين: 59 - 50 مقتطفات.
429. انظر: ستيوارت تشيس / الإنسان والعلاقات البشرية: 11-19.
430. قواعد المنهج: 101، وراجع الباب الثاني فصل آثار الدارونية .
431. الإنسان والعلاقات البشرية: 20، قارن بين كلام دور كايم هذا وبين ما جاء في الكتاب نفسه في الصفحة السابقة: 19 من أن إحدى لجان الكونجرس الأميركي وجهت سنة 1954م نقداً شديداً لتمويل البحث في العلوم الاجتماعية بحجة أن الطبيعة هي التي يمكن دراستها أما الطبيعة البشرية فعلا.
432. مقتطفات من قواعد المنهج على التوالي: (279-31-51-203-100)
433. المصدر السابق: 33، 35 .
434. المصدر السابق: 51 .
435. المصدر السابق: 209 - 210 .
436. أتصلح هذه الكلمة العامة دليلاً علمياً في مسألة خطرة كهذه، أم أنها شهوة الهدم اليهودي المتستر ؟
437. قواعد المنهج في علم الاجتماع: 219.
438. انظر مثلاً: المجتمع : ماكيفر وزميله: 16-17.
439. مقدمة في علم الاجتماع: أرمان كوفيليه: 117.
440. نصوص من أنجلز: 159 - 160.
441. الصنم الذي هوى: 126.
442. انظر علم الاجتماع ومدارسه: مصطفى الخشاب ج: 3.
443. العلم والدين: 78-79.
444. المجتمع البشري: 19
445. يقول رسل ص: 37 لنفرض أن قنبلة ذرية قضت على سكان الكرة الأرضية، ولم يبق سوى شقيق وشقيقتة فهل يجب عليهما أن يدعا الجنس البشري ينقرض ويالها من دقة علمية وموضوعية في الاستلال !!
446. المصدر السابق (21-22)
447. المصدر السابق: 24-26.
448. المصدر السابق.
449. أنظر: هاري ويلز، فرويد وبافلوب: 1- 16/17
450. المصدر السابق: 81، 83 .
451. المصدر السابق: 81 - 83 .
452. انظر الفصل الذي كتبه عنها في منازع الفكر الحديث.
453. فرويد وبافلوف: 1/ 88 - 93.
454. نفس المصدر السابق.
455. انظر كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، كما أن العلامة وحيد الدين خان قد رد على النظرية في كتابه الإسلام يتحدى، فصل الإيمان بالآخرة.
456. انظر فرويد وبافلوف: 41، 45.
457. انظر فرويد وبافلوف: 41 / 45.
458. دنست التوراة المحرفة الجنس البشري عامة ابتداءً بالأنبياء - نوح يسكر، لوط يزني بابنتيه وهو سكران، داود يعشق زوجة قائده ويعرضه للقتل ليظفر بها، إلى آخر، مما شوهت به سيرتهم الناصعة المعصومة، وانتهاء بالسلالات البشرية كنعان وذريته ملعونون، الحيثيون، الآشوريون الخ، الشعوب السبعة الملعونة، كل ذلك بهدف تدعيم الزعم الفاسد بأن اليهود شعب الله المختار وتبرير وسائلهم الخبيثة لابتزاز أموال الأميين وإفساد أخلاقهم.
459. انظر الكنز المرصود في قواعد التلمود.
460. انظر التلمود: ظفر الإسلام خان: فصل المسيح في التلمود.
461. انظر مثلاً: خمس حالات من التحليل النفسي ج 2.
462. بيير فوجيرولا: 256، وفي الشرق طبق بعض المفكرين نظرية فرويد ووصلوا إلى النتيجة نفسها؛ وأبرزهم من المسلمين الأستاذ محمد قطب "الإنسان بين المادية والإسلام، ومن غيرهم صبري جرجيس "الفكر الفرويدي والتراث التلمودي" .
463. الموجز في التحليل النفسي: 66.
464. الموضوع عنده: الشيء الذي تتجه نحوه الطاقة الغريزية، ويكون هدفاً للتفريغ والإشباع.
465. الذات والغرائز: 64/68.
466. اللبيدو عنده: الطاقة النفسية المتعلقة بالغرائز الجنسية.
467. الموجه في التحليل النفسي 22-25،وانظر معالم التحليل النفسي 62-67.
468. الهو: حسب نظريته- هو ذلك القسم من النفس الذي يحوي كل ما هو موروث وغريزي وثابت في الإنسان.
469. الذات والغرائز: 75.
470. الذات والغرائز: 76 - 77 .
471. انظر التطور والثبات في حياة البشر: محمد قطب: 48-49، ويرى فرويد بعد ذلك أن الإنسان قد تطور وفي أثناء تطوره مرض بالدين، إننا إن حاولنا أن نحدد للدين مكانه في تاريخ تطور الإنسانية لم يبد أنه كسب خالد بقدر ما يبدو أنه نظير للمرض النفسي الذي لابد أن يجتازه الإنسان المتحضر، وهو يتطور من سن الطفولة إلى سن النضج محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي 159.
472. علم النفس في مائة عام: 233.

زراعة القمح ومختلف انواع المحاصيل بماء البحر بدون معالجه او تحليه

زراعة القمح   ومختلف  انواع المحاصيل بماء البحر بدون معالجه او تحليه
زراعة القمح ومختلف المحاصيل الرئيسيه بماء البحر بدون تحلية او معالجه

قضية وجود خالق للكون

قضية وجود خالق للكون
اثبت العلم حتمية وجود خالق للكون واستحالة خلق الكون بالصدفه وهذه شهادات لعدد من اكبر علماء العالم حول ذلك

الموضوعات الرائجه

احدث الموضوعات

هل تقود اسرائيل العالم ؟؟ فضح اكاذيب نتنياهو ؟؟


هل تقود اسرائيل العالم ؟؟ فضح اكاذيب نتنياهو وسقوط اسطوره اسرائيل 




 

فضيحه خالد الجندى وسعد الهلالى ويوسف زيدان حول عدم تحريم الاسلام لشرب الخمر والنبيذ

اثبات جهل ودجل الماركسى اسلام بحيرى